تُرافق حرب الإبادة المفتوحة التي يشنّها الاحتلال على غزّة، انتهاكاتٌ وجرائم حرب موصوفة بحقّ الأسرى والأسيرات، وهذا ما تُعالجُه الباحثة والأسيرة المُحرَّرة خالدة جرّار (1962) في ورقتها البحثية "الانتهاكات بحقّ الأسيرات والأسرى أثناء حرب الإبادة الجماعية على غزّة"، الصادرة في كانون الأول/ ديسمبر الجاري عن "الهيئة المستقلّة لحقوق الإنسان" (ديوان المظالم)، مع العِلم أنّ قوّات الاحتلال الإسرائيلي كانت قد داهمت، الثلاثاء الماضي، منزل الأسيرة المُحرَّرة، في مدينة البيرة، واعتقلها من جديد.
تُناقش الورقة العنف الاستعماري في السياق الفلسطيني؛ بما تشمله من حالات اعتقال وأَسْر ترافقت مع حرب الإبادة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وتتناول كلّ أشكال المُمارسات التي استخدمها الاحتلال التي تتعارض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، وفي ظلّ إفلات مستمرّ من العقاب.
استغلّ الاحتلال حالة الحرب على غزّة، والتي لم تستثنِ الضفّة بما فيها القدس من الانتهاكات، سواء بالإعدامات الميدانية التي بلغت 272 شهيداً في الضفّة فحسب، والاقتحامات الليلية لمُدن ومخيّمات الضفّة، حيث تعمّد الاحتلال تدمير البُنية التحتيّة ومنع التنقّل بين المحافظات وبين قراها، وتنكيل جنود الاحتلال بالمواطنين، إضافة إلى حملات الاعتقال التي تجاوزت 3700 معتقلاً/ة، واستحداث وحدة خاصة للقيام بضرب المعتقلين تُدعَى وحدات "الكيتر".
أمّا داخل السجون، فتوضّح جرّار، أنّ مصلحة السجون الإسرائيلية بدأت بفرض إجراءات جديدة تتجلّى بحرمان الأسرى من أبسط حقوقهم من خلال العزل الكامل لهم عن الأهل والمُحامين، ومصادرة مقتنياتهم، وسياسة التجويع والتهديد والتفتيش العاري، والمسّ بالمعتقدات الدينية، فضلاً عن اعتقال المئات من رجال ونساء وأطفال وشيوخ غزّة في أماكن غير معروفة.
كما تستعرض الورقة شهادات لأسرى تحرّروا في صفقة التبادل الأخيرة، ومن خلالها تُثبت جملة من الانتهاكات اللّاإنسانية المُمارسة بشكل يومي، وتقترح في النهاية مجموعة من التوصيات لا بدّ من العمل بشكل جدّي عليها، خاصة أن الشعب الفلسطيني فقد الثقة في قدرة المنظومة الدولية لحقوق الإنسان على توفير الحماية، ممّا يولّد قناعة بأنها منظومة تخدم الاقوياء فقط.
اعتمدت الورقة على منهجية خاصّة في جمع المعلومات، من خلال المقابلات المُباشرة مع تسع أسيرات ممّن تحرّرن في صفقات التبادل الأخيرة، ومقابلات مع محامين تمكّنوا من اللقاء مع عشر أسيرات في "سجن الدامون"، وثلاثين أسيراً في كلّ من "سجن عوفر"، و"النقب"، و"مجدو"، و"جلبوع"، وتمّت مراعاة الجنس والعُمر والمنطقة الجغرافية، كما تم مراجعة عدد من الأدبيات الخاصة بهذا الموضوع، وعدد من كتابات الأسرى أنفسهم.
خالدة جرّار هي باحثة متطوّعة في "معهد مواطن للديمقراطية وحقوق الإنسان"، وقيادية فلسطينية سبق أن اعتقلتها قوّات الاحتلال بشكل متكرّر، وقضت سنوات في الأسر أغلبها بموجب اعتقال إداري من دون تهمة، قبل الإفراج عنها عام 2021.