في مرحلة شهدت مخاضاً عسيراً بين انهيار الدولة العثمانية وتقاسم بلاد الشام بين الإنكليز والفرنسيين واحتلالها، كان عادل زعيتر أحد أركان النخبة المتعلّمة التي آمنت بحق العرب في نيل استقلالهم ضمن دولة حديثة، وكان قد مثّل مدينته نابلس في "المؤتمر السوري العربي" الذي عقد عام 1920 لتأييد هذا الحق.
أسّست تلك الأحداث وعي السياسي والمترجم الفلسطيني (1897 – 1957) الذي تعلّم التركية والألمانية والإنكليزية والفرنسية، وربما شكّلت الأخيرة عاملاً أساسياً وراء دراسته الحقوق في باريس لاحقاً، وساهمت في اختياره لأبرز مؤلّفات الفلسفة والتاريخ والحضارة لينقلها عن الفرنسية، لاعتقاده بأهمية العلم والأدب في تحقيق النهضة المنشودة.
هذا العام، صدرت طبعة جديدة من ترجمته كتاب "حياة الحقائق" للمؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون عن "دار الرافدين"، وهو واحد من حوالي أربعين كتاباً ترجمها الراحل وصدرت في طبعات مختلفة عن أكثر من دار نشر عربية، أغفل معظمها ذكْر تاريخ الطبعات وحقوق ملكيتها الفكرية، بل ظهرت ترجمته لكتاب "تاريخ العرب العام" للمستشرق الفرنسي ل. أ. سيديو عام 2002 باسم مترجم آخر! وهي ليست حالة السطو الوحيدة على ترجمات زعيتر.
عبّرت ترجماته عن سعة اطلاعه في حقول معرفية متعدّدة
يدرس "حياة الحقائق" مكوّنات المعتقدات الدينية والعاطفية والجمعية، وكيفية تتحوّل المعتقدات الفردية إلى جمعية، والأخلاق باعتبارها العنصر الرئيس في تكوين المعتقدات الدينية، إضافة إلى الحياة العقلية التي تشكل جذور العلم؛ وأسس التفكير الفلسفي والوصول إلى منابع الحقيقة العميقة.
لم يلق زعيتر الذي تفرّغ للترجمة منذ عام 1946 وحتى رحيله، اهتماماً يضع ترجماته ضمن مشروع متكامل حيث توضّح الملاحظات التي بثّها في مراسلاته ومقالاته العديد من آرائه في الترجمة ومنهجيته التي اعتمدها، والمضامين التي قدّمها إلى المكتبة العربية، كما تربط بين سيرته كشخصية منتمية إلى فضائها العروبي وبين خياراته في النقول.
وعبّرت ترجماته عن الفرنسية، والقليل منها عن الألمانية، عن سعة اطلاعه في حقول معرفية متعدّدة وفلسفته التي قامت على أهمية نقل الفكر الغربي الحديث في لحظة هيمنت فيها القوى الاستعمارية على العالم العربي، وأفشلت جهود استقلاله وتحديث مجتمعاته.
ترجم عشرات المؤلّفات لـ روسو وفولتير ومونتسكيو ولوبون
في مقدمة ترجمته لكتاب "حضارة العرب" لـ غوستاف لوبون أيضاً، يدوّن زعيتر "هكذا أكون قد أدخلت كتب لوبون المهمة الآخذ بعضها برقاب بعض إلى العربية إدخالاً يخيّل إلى الباحث معه أن هذا الحكيم الجليل من العرب، ولا عجب، فلوبون واضع سفر "حضارة العرب"".
يقول يحيى جبر وعبير أحمد في بحثهما المشترك: "كان لسعة ثقافته لا يترجم وحسب، وإنما كان يبدي رأيه مؤيداً أو معارضاً بين حين وآخر، فجاءت مترجماته حافلة بآرائه النقدية وبتعليقاته وتصويباته"، ويضيفان: "كيف كان زعيتر يختار المادة التي يزمع ترجمتها؟ وكيف كانت تتم الترجمة؟ يجيب شقيقه التربوي والسياسي أكرم: كان عادل في اختياره كتاباً للترجمة يُعنى بأن يكون مما تحتاج إليه الأمة العربية، وألا يكون له نظير في لغتها...".
من المؤلّفات التي ترجمها زعيتر: "العقد الاجتماعي" و"التربية" و"أصل التفاوت بين الناس" لـ جان جاك روسو، و"الحياة والحب" و"البحر المتوسط" و"كليوبترا" و"ابن الإنسان" لـ إميل لودفيغ، و"الرسائل الفلسفية" و"التفاؤل" لـ فولتير، و"روح الشرائع" لـ مونتسكيو، و"حياة محمد" لـ إميل درمنغم، و"حديقة أبيقور" و"الآلهة عطاش" لـ أناتول فرانس، و"مفكرو الإسلام" و"الغزالي" و"ابن سينا" لـ البارون كرادوفو.
إلى جانب "روح الثورات والثورة الفرنسية" و"روح الجماعات" و"السنن النفسية لتطور الأمم" و"روح التربية" و"روح السياسة" و"فلسفة التاريخ" و"اليهود في تاريخ الحضارات" و"حضارة العرب" و"الآراء والمعتقدات" و"حضارة الهند" و"روح الاشتراكية" لـ غوستاف لوبون.