"لا يُمكن للمرء إلّا أن يكون جُزءاً من مجموعة بشرية ثقافية كُبرى، تتمثّل بشكل أساسي في وطنه"، بهذه الكلمات يتحدّث التشكيلي السوداني صلاح المُرّ (1966)، إلى مواطنته الفنّانة ريم الجعيلي في الحوار الذي أجرَته معه الأخيرة، وصدر ضمن موادّ العدد الأول من مجلّة "ذا ميوز" (the muse) التي تهدف، حسب القائمين عليها، إلى "إتاحة الفنّ للجميع، عن طريق تعزيز الممارسات الفنّية، وتوفير المساحات وخلق المشاريع التي تُعبّر عن السياقات الاجتماعية والفنّية".
ولا شكّ في أنّ صدور المجلّة باللغتين العربية والإنكليزية، وبنسختين إلكترونية وورقية، يدلّ على مقدار التفاعُل بين أوساط الحركة التشكيلية داخل البلاد وخارجها، من أجل مُواصلة السعي لاستكمال الأنشطة الفنّية رغم الانقطاعات التي تُعاني منها جرّاء حرب الجنرالات المُشتعلة في البلاد منذ 15 نيسان/ إبريل الماضي.
"جيلٌ جديد وتحدّيات موروثة"، عنوان الافتتاحية التي وقّعها محمد عبد الرحمن حسن، وتناول فيها جدلية الثورة والفنّ، وما حقّقته ثورة ديسمبر 2018 من مساحات جديدة للفنّانين الشباب، فما يحتاجُه الإبداع هو مناخ الحرّية، وإن ظلّت الأوضاع السياسية في تدهوُر ولا تخلق الكثير من الفُرص.
وفي باب الحوارات، تضمّن العدد حواراً مع صلاح المرّ الذي تحدّث عن مدى ارتباطه بـ"مدرسة الخرطوم التشكيلية" ورائدتها كمالا إسحق، بوصف تلك المدرسة تياراً يُقاطع بين الانتماءات الأفريقية والتراث الإسلامي، مع ذلك نبّه المرّ إلى أنّ الفن في النهاية لا بدّ له أن يكون عالميّاً، ويتجاوز الحدود الأُولى التي انطلق منها.
كذلك حاورت مودّة طارق التشكيلية آمنة الحسن (1988)، حيث تشير إلى أولوية التجارب النسائية ومكانتها المُلهمة في اشتغالاتها. ومن الناحية العملية لفتت إلى خلفيتها الأكاديمية كمهندسة معمارية، وما أتاحته لها من استلاف تقنيات بين الحقلين الفنيّين: العمارة والتشكيل.
بالانتقال إلى قسم التصوير، عنون الفنّان علاء خير مقاله بـ"التصوير الآن"، وفيه ينبّه إلى الوضعية الاستعمارية التي حكمت انطلاقة هذا الفنّ في أفريقيا، ويتطرّق أيضاً إلى مقوّمات النهوض بالمهنة وما يتوفّر لها من مبادرات تدريب ومنصّات نشر ومهرجانات تدعمها داخل البلاد، مقارنة بباقي البلاد الأفريقية التي تشهد انتعاشة في هذا المجال.
من الموادّ التي تضمّنها العدد أيضاً: "مامي" لمتشي جعفر، وهو عبارة عن مقال تحليلي لمجموعة صور تتناول الحياة الاجتماعية في منطقة النوبة، و"مقدّمة عن NFTs" لمؤتمن سوار، حيث يتناول الكاتب دور هذه التقنية الافتراضية الجديدة في تغيير مفهومنا عن الفنّ الحديث. وخُتِم العدد بمادّة بحثية وقّعها مُظفّر رمضان بعنوان "تاريخ مؤسّسة المعرفة الفنّية في السودان: التباس سياسة الفعل وفعل السياسة".