تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الحادي والعشرون من آذار/ مارس، ذكرى ميلاد المؤرخ والمترجم المصري حسن حبشي (1915 – 2005).
في كتابه "الحروب الصليبية الأولى"، يشير حسن حبشي، الذي تحلّ اليوم الأحد ذكرى ميلاده، إلى أن دارس الحروب التي قامت بين المسلمين والفرنجة لن يجد تحقيقاً كافياً يرضيه من وجهة البحث العلمي الخالص إذا هو اقتصر على كتابات هذا الطرف لوحده أو ذاك الطرف، مبيناً ضرورة الجمع بين وجهتيْ النظر، والاطلاع على ما كتبه الفريقان، وغربلة تلك التفاصيل غربلة دقيقة لا يقف منها إزاء روح التعصب التي تبدو في الجانبين.
ويوضّح المؤرخ والمترجم المصري (1915 – 2005) أن هناك نقصاً في المكتبة العربية الحديثة يتمثل في عدم وجود كتب علمية، أو حتى شبه علمية، تتعلق بالحروب الصليبية عامة؛ والكاتب العربي معذور في إحجامه عن الخوض في هذا الموضوع الجديد القديم لضآلة ما بين يديه من المراجع، ولأن معظم تلك المصادر لا يزال في لغاته الأولى.
اهتم بإعادة كتابة التاريخ الإسلامي وتحقيق بعض مؤرخيه، وترجمة مؤلفات حول العصر الوسيط
ويرى صاحب كتاب "نور الدين والصيليبون" أن أهمية الكتابة التاريخية في هذا المجال تنبع من عودته إلى الحوليات والمذكرات الشخصية التي تمثّل ذاك العصر في أوروبا، وفرنسا خاصة، والتي اهتمّ بها خلال دراسته البكالوريوس وأضاءت له الكثير حول العصر الوسيط من وجهة نظر أوروبية، بفعل اهتمام أصحابها الذين شاركوا في الحروب بتفاصيل عديدة غابت عن ذهن المؤرخ العربي.
ويعود في هذا الكتاب إلى الصراع الطويل بين الشرق والغرب خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر، مستعيداً التأثير الكبير التي لعبته خطبة البابا إربان الثاني في مؤتمر كليرمونت بفرنسا في الثامن والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1095، لكنه يؤكد أن جذور الصراع بين المسيحيين والمسلمين ترجع إلى مستهلّ القرن السابع الميلادي، مع بروز الإسلام وإحكام سيطرته على غرب آسيا وشمال أفريقيا في مناطق كانت خاضعة للإمبراطورية البيزنطية.
يُعتبر حبشي من أهم المؤرخين العرب للحروب الصليبية، حيث مسح تلك الفترة من خلال اطلاعه على جميع المصادر العربية والغالبية الساحقة من المراجع الأوروبية بلغاتها، وكذلك في قراءته لمصادر لم تأخذ حقها من البحث والدرس عربياً، والتي استطاع اعتماداً عليها بناء سردية أكثر موضوعية وشمولاً وإحاطة بالأحداث وتداعياتها على العلاقة بين شعوب المتوسّط، وتمنح صورة كثيفة ومتعددة حول الغزو الصليبي للعالم العربي.
وإلى جانب ذلك، ركّز في مشروعه التأريخي الفكري على التاريخ الإسلامي عموماً من خلال مؤلّفاته العديدة في هذا الموضوع، ومنها "الرحمة المهداة" الذي وثّق خلاله السيرة النبوية، وكذلك "سرايا الرسول"، و"قصة إسلام الصحابة" في عشرة مجلدات، و"صحابيات صنعن الأحداث" ووثّق فيه تاريخ المرأة في صدر الإسلام في خمسة مجلدات، و"قرون الهجرة" الذي تناول فيه التاريخ الإسلامي في أربعة مجلدات، إلى جانب "الفتح المبين"، و"أهل الذمة في الإسلام" و"أخبار العالم الإسلامي".
كما قام حبشي بتحقيق كتب تراثية مهمة، وفي مقدمتها مؤلّفات المؤرخ برهان الدين البقاعي (1407 – 1480) الذي تنوّعت اشتغالاته بين التأريخ والنحو والتراجم والمعاجم والتفاسير، حيث حقّق كتابه المعروف "عنوان الزمان في تراجم الشيوخ والأقران" في ستة مجلدات، إلى جانب تحقيقه كتباً أخرى للصيرفي وابن حجر العسقلاني وابن الحنبلي وآخرين.
وفي الترجمة، نقَل صاحب "كتاب الشرق العربي بين شقي الرحى" عدداً من الكتب، منها "الحروب الصليبية" لوليم الصوري في أربعة مجلدات، و"ألكسياد" للمؤرخة اليونانية أنا كومنينا، و"فتح القسطنطينية" لفلهاردوان، و"المسلمون في الأندلس" لرينهرت دوزي، و"القديس لويس حياته وحملاته على مصر والشام.. مذكرات جوانفيل" لجان دي جوانفيل، و"معجم التراجم البيزنطية" لدونالد نيكول، و"أهل الذمة في الإسلام" لأ. س. ترتون، وغيرها.