- القصة تتطور بمتابعة الراوي للرجل "المجنون" في رحلة بحث محمومة، مما يعمق الدراما والغموض حول هوية "العروس".
- "العروس" ترمز إلى بندقية فقدت خلال مقاومة العصابات الصهيونية في 1948، وتكشف القصة عن النضال والمقاومة الفلسطينية، مع إشارة إلى اندلاع الثورة الفلسطينية عام 1965.
تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، التاسع من نيسان/ أبريل، ذكرى ميلاد الروائي الفلسطيني غسّان كنفاني (1936 – 1972).
في قصة "العروس" التي تضمّنتها مجموعته "عالمٌ ليس لنا" الصادرة عام 1965، يفتتح غسّان كنفاني الذي تحلّ اليوم الثلاثاء ذكرى ميلاده، السرد بتوجيه رسالة إلى "العزيز رياض" مثلما فعل في العديد من قصصه التي اتّكأ فيها على رسائل يُحاور فيها شخصيات حقيقية وغير حقيقية عن أفكار أو هواجس تراوده، أو يراجع خلالها أحداثاً عاشها.
يطلب الروائي الفلسطيني (1936 – 1972) من رياض أن يبحث معه عن رجل طويل جدّاً، صلب جدّاً، لا يعرف اسمه، ولكنّه يلبس بدلة خاكيّة عتيقة، ويبدو لأول وهلة كأنه مجنون، ويضيف في موضع آخر من النص: "لكن يُخيل إليّ الآن أنني حين شهدته لأول مرّة كان مُحاطاً بما يُشبه الضوء، نعم، كان مُحاطاً بشيء يُشبه الغبار المُضيء، وأعترف لك أنني لم أتأكّد من ذلك تماماً حين استوقفني لحظة واحدة في الطريق، إلّا إنني أكاد أكون متيقّناً الآن، أن ذلك الرذاذ المُضيء الذي كان يحوط جسده الضخم هو الذي رسّخ صورته في ذهني، وإلا كيف تفسر أنني ما زلت أذكره، وما زال يُلحّ عليّ، من بين مئات الرجال الذين يُقابلهم الإنسان في الطريق كلّ يوم، ثم يذوبون من رأسه وينعدمون؟".
مثل إنسان ضيّع شيئاً، كان يسير محنيّاً بعض الشيء، بكفّين مفتوحتين متحفّزتين، وعينين تنقّبان وجوه الناس كأنهما محراثان عتيقان
يمضي كنفاني أبعد في اعتماد عنصر التشويق، حين يصف ذلك الرجل "المجنون" الذي لا يذكر بالضبط متى رآه لأوّل مرّة، ولكنّه يذكر تماماً أنّه "مثل إنسان ضيّع شيئاً، كان يسير محنيّاً بعض الشيء، بكفّين مفتوحتَين متحفّزتين، وعينين تنقّبان وجوه الناس كأنهما محراثان عتيقان". من هُنا، يبدأ التحوّل الدرامي في القصّة حين يراه مرّة ثانية فيُبادر "المجنون" بسؤاله: "هل رأيتها؟"، ليأتي الجواب: "رأيت ماذا؟"، فيردّ المجنون: "العروس!"، وأردف "كلّكم تقولون هذا، منذ عشر سنوات.
بعد غيابه في الزحام، يحاول الراوي اللحاق به لكن عبثاً لتبدأ رحلة البحث عنه، والطلب من "العزيز رياض" مشاركته في البحث، ويقرّر الراوي لاحقاً أن يتقمّص شخصية المجنون فيوقف رجلاً في الشارع ويسأله: "هل رأيت العروس؟".
يقدّم الراوي أخباراً جديدة سمعها عن "العروس" إذ يقصّ حكاية رجل من قرية "شعب" في الجليل، قاتَلَ العصابات الصهيونية في أيام حزيران الأُولى عام 1948، طوال أكثر من ستة أشهر، غنِم بندقية نادرة من أحد القتلى الصهاينة، ليُطلب منه أن يسلّمها إلى قيادته التي وعدته أن تُعيدها إليه خلال يومين، إلّا أنها لم تُعدها ولم يتمكّن هو في تلك الظروف أن يستعير بندقية غيرها.
تغدو البندقية محور الأحداث التي تتتالى مع احتدام القتال، واحتلال قرىً ومدن في البلاد، وكيف استطاعت المقاومة استعادة قرية "شعب" أربع مرّات قبل أن يحتلّها الصهاينة، لتصل البندقية في الأثناء إلى رجل آخر زوّج ابنته الوحيدة بمهر مقدارُه مئة جنيه ليتمكّن من شرائها.
يختم الراوي قصّته بأنّ الرجل الذي فقَد بندقيته هو ذاك "المجنون" وهو لا يزال يبحث عنها، ليلتحق بالرِّفاق الذين كانوا ينتظرونه في قرية شعب المهدّمة، ويطلب الراوي من "العزيز رياض" مساعدته في البحث عنه لأن لديه أخباراً جديدة عن "العروس"، في إشارة من غسّان إلى اندلاع الثورة الفلسطينية عام 1965، حين وجد المقاتلون الفلسطينيون أخيراً "العروس". وجدوا البندقية!