تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، التاسع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر، ذكرى ميلاد الروائي والشاعر الغواتميالي ميغل أنخل أستورياس (1899 - 1974).
في عام 1923، نال ميغل أنخل أستورياس التي تحلّ ذكرى ميلاده اليوم الإثنين شهادة الحقوق ونشَر بحثه "المشكلة الاجتماعية للهنود"، والذي عاد ونقّح العديد من أفكاره في طبعة جديدة أصدرها عام 1971، لكن الانتقادات لم تتوقف حول رؤيته لحل مشكّلة سكّان غواتيمالا الأصليين من قبائل المايا.
قدّم آنذاك الروائي والشاعر الغواتيمالي (1899 - 1974) تصوّراته الداعية إلى مواجهة الزواج المبكر عند السكّان الإصليين ودفعهم نحو التعليم وتحديد ساعات عملهم بحيث لا تتجاوز ثماني ساعات وغيرها من الحقوق التي اعتبرها البعض الوصفة الناجحة لاندماجهم في المجتمع الذي أسّسه الرجل الأبيض، ورغم إعادة نظره في واحدة من أهم الدراسات التي تناولت معضلة شعب المايا، إلا أن صاحب "الريح القوية" اعترف بعد خمسين عاماً من أطروحته أن شيئاً لم يتغير.
كانت محاولة أستورياس هذه جزءاً من انخراطه المبكر في الشأن العام، حيث لعب دوراً في تنظيم الاحتجاجات التي اندلعت ضدّ الدكتاتور مانويل إسترادا كابريرا، وبعد سنتين من انتهاء حكمه أسس مع مجموعة من الناشطين الجامعة الشعبية لغواتيمالا التي نادت بالتعليم المجاني من أجل تحسين أوضاع الطبقات الفقيرة والمهمشة في البلاد.
انتقل بعد ذلك إلى باريس لدراسة الأنثروبولوجيا في "جامعة السوربون"، وهناك كان قريباً من أوساط السورياليين تحت تأثير الشاعر والمنظّر الفرنسي أندريه بريتون وبدأ كتابة الشعر، وبموازاة ذلك قام بترجمة الكتاب المقدس للمايا "البوبويل ڤوه" إلى اللغة الإسبانية، وأصدر كتاب "أساطير من غواتيمالا" محاولاً بأسلوبه السردي المميز تقديم صورة حول شخصية شعوب المايا ونقل تاريخهم الشفوي، وكانت تلك بمقابة محاولةً لإعادة كتابة تاريخ أميركا من منظور أنثروبولوجي ماركسي، كما أصدر مجلة في العاصمة الفرنسية بعنوان "الأخبار الجديدة".
رسم في أكثر من كتاب صورة حول شعوب المايا ونقل تاريخهم الشفوي
بعد عشر سنوات من المنفى، عاد إلى وطنه وأنشأ "جريدة على الهواء" والتي أدارها نحو إحدى عشرة سنة، لينضمّ إلى السلطة التي أتت بها الثورة ضد خورخيه أوبيكو، حيث عمل ملحقاً ثقافياً لغواتيمالا في عدد من بلدان أميركا الوسطى والجنوبية، لكنه عاد إلى المنفى الذي اتخذه في الأرجنتين بعد وصول الدكتاتور أربينز غوزمان للحكم مدعوماً من الولايات المتحدة.
في رواية "السيد الرئيس" التي أصدرها عام 1946 وطبعت عدّة طبعات وترجمت إلى معظم لغات العالم، يعرّي أستورياس الدكتاتورية في شخص حاكم رفع شعاراً في دولته "أنا أفكر بعقل الرئيس، إذن أنا موجود"، مصوّراُ ببراعة كيف تخلق نماذج من الطامعين والمتسلّقين والمنافقين واللصوص والقتلة بفعل حكم الفرد، كما يتناول الحكايات والأساطير المرتبطة بالقمع والمتكرّسة في أذهان المقموعين.
أما رواية "البابا الأخضر" التي نٌشرت عام 1954، فتدور أحداثها في العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر وصولاً إلى منتصف القرن العشرين، في رصد معمّق للتغيرات السلبية التي أصابت المجتمع الغواتيمالي، بعد عقود من الحروب والجريمة المنظّمة وطمس المستعمر للهوية الوطنية، من خلال قصة البحار الأميركي جو ماكر توبمسون الذي يسعى إلى الاستحواذ على أراضي الناس بالكذب والخداع، مطلقاً الوعود بالتطوير وبناء سبل الرفاه والحضارة المدنية التي سيظلّ يدفع الغواتيماليون ثمنها حتى اليوم.
أصدر أستورياس العديد من الروايات منها "رجال الذرة"، و"عيون المدفوني"، و"المولّدة"، و"جمعة الآلام"، إلى جانب مجموعات قصصية مثل "نهاية أسبوع في غواتيمالا"، و"ثلاثة من أربعة شموس"، كما وضع مؤلّفات أخرى في الشعر والدراسات التاريخية والاجتماعية.