منذ أن صمّمت زها حديد مشروع تخرّجها عام 1977 وهو عبارة عن فندق يوحي بأنه على وشك الإقلاع والإفلات من جاذبية الأرض وحتى رحيلها، تحدّت في جميع تصاميمها قوانين الهندسة والفيزياء بخطوطها وحجومها وفراغاتها، حيث رأت العمارة كتكوين انفجاري وتعاملت معها خارج كلّ الرؤى التقليدية إليها.
حتى الحادي والثلاثين من الشهر المقبل، يتواصل معرض المعمارية العراقية (1950 – 2016) في "غاليري غمورزينسكا" في مدينة زيورخ السويسرية والذي افتتح تحت عنوان "تجريد المناظر الطبيعية" في السادس والعشرين من إبريل/ نيسان الماضي.
يضمّ المعرض نماذج من رسومات وتصاميم مشاريع نفّذتها حديد خلال السنوات الستّ الأخيرة في حياتها، إلى جانب قطع الأثاث التي صممتها، والعديد من الرسوم التخطيطية لم تعرض من قبل، حيث تمثّل خلاصة اشتغالاتها على مدار أربعة عقود، قدّمت خلالها مباني تطفو في الهواء بسبب خفتها وانعدام الوزن.
يتتبع هذا المعرض مؤثرات أساسية في تجربة المعمارية وفي مقدمتها أعمال الطليعة الروسية في عشرينيات القرن الماضي، خاصة المدرسة السوبرماتية (التفوقية) وتحديداً تنظيرات ورسومات الفنان الروسي كازيمير ماليفيتش، ما أبرزته تصميماتها الأولى، كما يظهر تأثرها بالفنان الألماني كورت شفيترز في أعماله التي تنتمي إلى المدرسة البنائية.
يشير بيان المنظّمين إلى أن حديد وُصفت بأنها "ملكة المنحنيات"، وكانت واحدة من الشخصيات الرئيسية في الهندسة المعمارية والتصميم في أواخر القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين، ولطالما بدت مبانيها وديكوراتها جريئة ومختلفة، ويكشف إرثها العالمي عن عبقريتها الإبداعية والدائمة".
تعكس الأعمال المعروضة استخدامها للأشكال التجريدية والتشخيصية من خلال دمج التكنولوجيا بالفن والتفاعل الذكي، وكأنها كانت تؤسس لمعمار يتجاوز الزمن الحاضر ويعيش في المستقبل، وهو ما يفسّر ربما عدم تنفيذ العديد من تصميماتها التي لم يتم استعيابها بالشكل الكافي، رغم أنها كانت تفوز بالمسابقات المعمارية حول العالم.
كما توضّح االرسوم في تنوّع موضوعاتها والأشياء المصمّمة على فهم خاص للمكان لدى حديد التي حاولت استشكاف العمارة من بعدين فردي وجمعي، إذ التفتت إلى المجوهرات وقطع الأثاث والأدوات المنزلية وأكسسوارات الموضة بوصفها جزءا من حياة الإنسان المعاصر في المدينة التي كانت تحلم فيها، وكان الرسم والتصوير يشكّلان جوهر نظرتها إلى العالم في بعدين قبل أن تحوّله إلى ثلاثة أبعاد.