في زمن الجائحة، ومع تقلّص عدد زائري "متحف باردو" في تونس العاصمة، ككل متاحف العالم، نفترض أن نجد عناية خاصة بموقعه الإلكتروني www.bardomuseum.tn، وسيعتقد الزائر أنه وجد ما يحتاجه حين يقع على زاوية "زيارة افتراضية"، لكن الرابط المتوفّر لن يفضي إلى شيء!
بشكل من الأشكال، يكشف هذا الموقف عن واقع المتحف. هناك حالة من القطيعة مع الجمهور، وهناك تعطّل في تحقيق هدفه بإضاءة تاريخ تونس بشكل مكثّف. في مكان ما من الموقع، نقرأ: "يرمي (المتحف) إلى جعله قطباً لتنمية ثقافية ذات جودة عالمية". زائر "باردو" على عين المكان يعرف أن هذا الهدف لم يتحقّق، وكذلك الأمر بالنسبة لزائر الموقع.
سنقرأ أيضاً عن أدوار المتحف بأنه يهدف إلى "ضمان نشاط متواصل لتوفير المعلومة الصحيحة والمكتملة حول تاريخ البلاد وتراثها، وبناء علاقة مباشرة مع هذه الثقافة وذلك من خلال العروض المختلفة القارة منها والمؤقتة"، وهو قول لا يتّسق مع العلاقة الفاترة بين التونسيين ومجمل متاحفهم. وفي حين نقرأ أن من بين طموحات "متحف باردو" أن يكون "موقعاً مرجعياً ورسمياً لاحتضان اللقاءات الثقافية والفنية"، يعلم سكّان مدينة تونس كيف يغيب المتحف عن دورة الحياة الثقافية.
لا يقودنا الموقع الإلكتروني إلى ملامسة الثراء المعماري لفضاء المبنى
هكذا بات الموقع الإلكتروني يحمل خطاباً مضادّاً لمقولات المتحف ذاتها، حيث يثبت على "باردو" تلك المسافة الواسعة بين المأمول والمتحقّق. ومن بين أشكال هذا الخطاب المضاد أن نقف على زاوية في الصفحة الرئيسية للموقع بعنوان "ما هو الجديد؟"، وسنجد بأن آخر ما أُدرج ضمن هذه الزاوية هو خبر بتاريخ 24 تموز/ يوليو 2020، وهو ما يوحي بأن المتحف مغلق.
يبقى الموقع ثرياً من الناحية المعلوماتية، وهو ما يتكثّف في مدخل بعنوان "مجموعات"، ومن أبرز ما فيه التعريفُ بالقطع الأساسية للمتحف وأبرزها لوحة فيرجيل الفسيفسائية، ومقتطف من نسخة نادرة من القرآن الكريم مكتوبة على الرق الأزرق، ومجموعة من الأقنعة من العصر البوني.
يقف هذا الرصيد كشهادة أُخرى ضد واقع المتحف، فنحن أمام رصيد محترم لكن قلّما يجري تثمينه على أكمل وجه، ولا نجد استثماراً رمزياً في هذا الإرث، وها أن الموقع يعوّل على حب الاطلاع الذي يسكن بعض زوّاره كي يصلوا إلى "القطع الأساسية" من المتحف. في مكان آخر من الموقع، نجد تاريخ المتحف، فنعرف أنّ المبنى الذي يضم المتحف اليوم هو "جزء من الحي العسكري المحصّن بباردو، والذي مثّل مركز الحكم الحسيني منذ سنة 1705"، والمتحف من هذا المنظور تحفة معمارية في حدّ ذاته؛ حيث جمع بين أكثر من طراز معماري من الأندلسي المغربي إلى الطابع الإيطالي، لكن الموقع لا يقودنا إلى ملامسة هذا الثراء، بل يكتفي بذكره من خلال النصوص التعريفية.
ليس موقع متحف باردو استثناءً بين مواقع معظم المتاحف التونسية والعربية (إن وُجدت) التي تحتاج إلى عناية، ولكن قبل العناية بالمواقع الإلكترونية لعلّه من الأولى العناية بالمتاحف ذاتها.