في محاضرة حول التاريخ الحديث للموسيقى اللبنانية، أشارت الكاتبة والباحثة في المجال الموسيقي الكلاسيكي زينة صالح كيالي إلى تنوّع الموسيقى الكلاسيكية في لبنان، وتأثّرها بألوان موسيقية مصرية وعثمانية وأرمنية وغربية، والتي دُوّنت في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حيث كان قبلها موسيقى تقليدية ودينية تُعَلَّم شفاهاً من دون نوتة موسيقية، مع محاولة وحيدة في بلدة دير القمر على يد ميخائيل مشاقة (1800 – 1888) الذي ألّف كتاباً يحتوي قواعد لتنظيم الألحان الموسيقية الموجودة.
وأوضحت كيالي، في المحاضرة التي ألقتها افتراضياً أمس الثلاثاء بعنوان "التراث الموسيقي اللبناني"، بتنظيم من "جمعية السبيل" في بيروت ضمن سلسلة "بانوراما الفنون"، أنه في مؤتمر الموسيقية العربية الأول الذي انعقد في القاهرة عام 1932، تمّ الأخذ بالعديد من آراء مشاقة دون ذكر اسمه، ثم أتى بعده وديع صبرا (1876 – 1952) الذي درس الموسيقى في باريس وأقام فيها نحو عشرين عاماً، وأسّس أوّل مدرسة موسيقية وصحيفة متخصّصة في الموسيقي بلبنان، كما ألّف نشيده الوطني في العهد العثماني، وكتب أول أوبرا باللغة العربية عام 1928.
كما تطرّقت إلى دور الأخوين محمد وأحمد سليم فليفل، مطلع القرن العشرين، في وضع أساسات الموسيقى العسكرية في لبنان والمنطقة، حيث نظّما "الأفراح الوطنية" عام 1922، لتُصبح لاحقاً نشيد قوى الأمن الداخلي، إلى جانب تأليفهما النشيد الوطني لكلّ من العراق وسورية وفلسطين.
وقسّمت التراث اللبناني إلى ستّة بنود، أوّلها الموسيقى المتأثّرة بالفولكلور المحلّي، وفي مقدّمتها تجربة الرحابنة، التي اشترك فيها فيلمون وهبي وتوفيق الباشا وتوفيق سكّر، إلى جانب عاصي ومنصور الرحباني. ولم ينحصر الأمر على الجذور اللبنانية، إذ كان ثمّة مؤثرات أرمنية كالتي قدّمها الملحن اللبناني الأرمني بوغوص جيلاليان (1937-2011) في مقطوعاته التي ألّفها ضمن المسرح الرحباني.
البند الثاني يتّصل بالموسيقى المتأثّرة بالكلاسيكيات العربية، بحسب المحاضِرة، وخاصّة المصرية منها والموشّحات، كما قدّمها حليم الرومي (1919 – 1983) في أغانيه التي لحّنها لفيروز في بداياتها، وعبد الغني شعبان (1927 – 1977) الذي كان أوّل موسيقي لبناني أدّى ألواناً متعدّدة على العود، من خلال مزجه موسيقى غربية بروح شرقية، وتوفيق الباشا (1924 0- 2005) الذي طوّر ألحان الموشحات في شكلٍ كلاسيكي.
وتناولت كيالي في البند الثالث الموسيقى الدينية الإسلامية والمسيحية، وهي موسيقى شفهية انتشرت على مرّ الزمن، حتى تلقّفها الأب بولس الأشقر (1882 ــ 1962)، الذي درس الموسيقى الغربية وسعى إلى تطوير الترانيم المسيحية المارونية من خلال عزفها وغنائها في جوق. بينما استعرضت في البند الرابع الموسيقى ذات اللغة الاختبارية، أو المعاصرة، التي حاولت التحرّر من بعض القواعد الكلاسيكية، ومن أبرز الأصوات اللبنانية في هذا المجال الموسيقي كريم حداد (1962).
وحول البند الخامس، تحدّثت عن الموسيقى ذات اللغتين الشرقية والغربية معاً، مستذكرة تجربة توفيق سكّر (1922 – 2017)، حيث مزج العديد من الألحان المختلفة، كما دوّن العديد من الأغاني التقليدية التي لم توثّق من قبل، وعلى منواله يقدّم إياد كنعان (1972) مقطوعات في الاتجاه ذاته.
ختمت كيالي بالبند السادس الذي يتعلّق بالموسيقى باللغة الغربية لكنْ بنكهة شرقية، ومن أهمّ التجارب في هذا السياق ما أنتجه المؤلّفان الموسيقيان بشارة الخوري وغابرييل يارد، حيث أدّى الأول مقطوعاته مع عدد من الفرق الأوركسترالية الأوروبية، والثاني قدّم موسيقى تصويرية في السينما الغربية.