في ستينيات القرن التاسع عشر، شهدت القاهرة والعديد من المدن المصرية نهضة عمرانية تضمّنت مزيجاً من الأساليب المعمارية الغربية مثل طراز الفنون الجميلة (Beaux-Arts)، وآرت ديكو، مع تصاميم واستخدام لمواد البناء المحلية.
تزامن ذلك مع نموّ سكاني كبير بدأ يتركّز في المدن بشكل أساسي، حيث بلغ عدد السكان ما يقارب خمسة ملايين، وفق تعداد رسمي أجري زمن الخديوي إسماعيل عام 1882، وسيتضاعف الرقم عدّة مرات خلال نصف قرن ليصل إلى نحو ثمانية عشر مليوناً في الأربعينيات.
تعود الفنانة الفوتوغرافية الروسية زينيا نيكولسكايا إلى تلك الفترة تحديداً في معرضها "غبار.. العمارة المنسية في مصر" الذي افتتح في الأول من الشهر الجاري في "مؤسسة ماهرة ومحمد أبو غزالة" بعمّان ويتواصل حتى نهايته، ضمن فعاليات الدورة الحادية عشرة من "مهرجان الصورة".
في 2006، بدأت الفنانة عملية توثيق وتصوير عدد من المباني المهجورة في حوالي ثلاثين موقعاً في مدن المصرية مختلفة ومنها القاهرة، والإسكندرية، والأقصر، والمنيا، وإسنا، وبورسعيد، بُنيت معظمها في الفترة الممتدّة بين عاميْ 1860 و1940.
كان قصر فؤاد سراج الدين باشا في منطقة غارن سيتي القاهرة، أول معلم يجتذب نيكولسكايا تمّ تشييده عام 1908، ليسكنه اقتصادي ألماني يدعى كار بيرلي لعدّة أيام ثمّ يؤجر بعدها للسفارة الألمانية حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى، حيث تحوّل إلى مدرسة قبل أن يشتريه الوزير سراج الدين سنة 1930.
وواصلت عملها لسنوات عبر التركيز على اللقطات الداخلية والديكورات لا اللقطات الخارجية للمباني، ما كشف عن إهمال شديد تعرّضت له خلال العقود الماضية، حتى إن بعضها يتهدّده الانهيار ما لم تُجرَ عمليات ترميم مستعجلة.
وثّقت نيكولسكايا عشرات المباني مثل قصر السكاكيني وقصر سعيد حليم في وسط القاهرة، وقصر عمر طوسون باشا في منطقة شبرا، قصر كاسيداغلي في منطقة غاردن سيتي، وغيرها من المباني المهجورة لتنشرها صورها في كتاب صدر عام 2012 متضمناً كذلك مقالات للباحثة هبة فريد والمخطّط العمراني عمر نجاتي.
الكتاب أتى بعد رحلة بحث نظرية وزيارات ميدانية في سياق دراستها للعمارة الكولونيالية في مصر، قامت بها المصورة التي درست تاريخ الفن في "أكاديمية الفنون" بسانت بطرسبرغ لتخلص إلى سبعين صورة تمثّل المواقع الثلاثين، والتي تمّ تسجيلها وفق تسلسل بنائها زمنياً.