سلمان رشدي.. "سكّين" وراءه وقنابل أمامه

23 مايو 2024
خافيير ثيركاس في حواره مع سلمان رشدي، مدريد، 20 أيار/ مايو (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- سلمان رشدي يعرض تجربته مع محاولة اغتيال فاشلة في كتابه "سكّين"، مؤكدًا على تحول الألم إلى احتفاء بالحياة والحب، ودفاع عن الحرية والفكاهة ضد التطرف.
- "سكّين" يعكس رحلة رشدي الشخصية نحو البقاء والمقاومة، مستعرضًا الدعم الذي تلقاه وتأملاته في غرائز البقاء، بالإضافة إلى مقابلات خيالية مع مهاجمه لاستكشاف تعقيدات الفكر الإنساني.
- رغم إقراره بتأثير محدود للأدب على تغيير العالم، يشدد رشدي على قوة الكتب في تغيير نظرتنا للواقع وأهمية مواجهة الأكاذيب والتطرف بالفكر والثقافة.

عندما يدير وجهه إلى جهة اليمين، يُطيل سلمان رشدي (بومباي، 1947) الإيماءة أكثر من الوضع الطبيعي، لأنه لا يستطيع أن يرى بعينه اليمنى بعد محاولة الاغتيال التي تعرّض لها. مع ذلك يبدو صبوراً. ينتظر أسئلة الصحافيين وينتظر الترجمة، ويجيب بلطف وابتسامة على الأسئلة كلّها، ومن بينها سؤال إن كان كتابه الجديد "سكّين: تأمّلات بعد محاولة اغتيال"، (2024)، الصادر حديثاً بترجمته الإسبانية عن دار نشر "Random House”؛ والذي تأتي جولته إلى إسبانيا في إطار تقديمه وتوقيعه والحديث عنه، هو الأفضل: "كلّا. ليس كذلك. ولكنه يحتوي على العديد من الصفحات الجريئة التي تتناول تلك التجربة التي كادت أن تُنهي حياتي"، يقول بضحكة تؤكّد أنَّ الطعنات الخمس عشرة التي تلقاها خلال مدّة لا تتجاوز ثمان وعشرين ثانية لم تفقده حسّ الفكاهة.

بالفعل، قد لا يكون الكتاب على مستوى روايات أُخرى اشتهر بها صاحب "آيات شيطانية"، ولكنّه يبقى كتاباً يوغل في كيفية إعادة تحويل تجربة محاولة قتل إلى كتاب يمجّد الحياة، خصوصاً عندما تصل الأمور إلى أحلك جانب ممكن. هو أيضاً كتابٌ عن الحبّ لزوجته، حيث أدّت محاولة القتل إلى الإعلان عن علاقته بها على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي استمرّت لأكثر من خمس سنوات في سرّية تامّة. ولكنه قبل ذلك كلّه، كتاب يدافع عن حرية الفكاهة، عن السخرية، وهو أيضاً هجوم شرس على التطرّف بأشكاله وأنواعه كافّة، وعلى المعتقدات الراسخة التي تفرضُ أوهامها وخرافاتها على الآخرين.

قارئ الكتاب سيعيش لحظات الطعن، ما قبلها وما بعدها، حتّى الليلة التي سبقت محاولة القتل. "كنت أتمنّى، لو كنت أستطيع ذلك، تحذير ذلك الرجل ممّا ينتظره". يعلّق على أسئلة أحد الصحافيين الإسبان، ويتابع سرد التفاصيل الموجودة في الكتاب بشكل دقيق: "وبطرف عيني - سيكون ذلك آخر شيء أراه في عيني اليمنى - أحسست برجل يرتدي ملابس سوداء ويضع قناعاً أسود، يركض بين مقاعد المسرح. شعرت بالشلل. حتى الآن أتساءل لماذا؟". 

غلاف الكتاب

لم ير رشدي السكّين. ليس لديه أية ذكرى عنها. لم يعرف إن كانت قصيرةً أم طويلة. إن كانت سكّين صيد، خنجراً أو سكّيناً مسنّنة كتلك التي نستخدمها لتقطيع الخبز. لكنّه في الكتاب يتساءل: "لماذا لم أفعل شيئاً؟ لماذا لم أقاتل؟ لماذا لم أهرب؟ بقيت ساكناً مثل 'البنياتا' (إناء يُصنع عادة من الفخّار ويُملأ بالحلوى كي يُكسر)، وتركته يدمّرني. لم أفقد الوعي حتى وصلت إلى المستشفى وتخدّرت. كنت أسمع صوتاً في داخلي يقول لي لا تمت. ربّما في كلّ واحدٍ منّا توجد هذه الغريزة من أجل البقاء، وربما لا نعرف أنّها موجودة إلى أن نحتاج إليها. اكتشفت أنّني أكثر صلابةً ممّا كنت أعتقد، وأنّ فيَّ مقاومة لم أكن أعرفها".

تتعدّد الشخصيّات في الكتاب: أطبّاءٌ وممرّضات وزوجته وكتّاب وأصدقاء وشعراء وكلّ من رافقه بعد محاولة الاغتيال في آب/ أغسطس 2022. ولكن قد تكون الشخصيتان الأكثر أهمية هما سلمان رشدي نفسه وهادي مطر، طاعنه، الذي يفضّل رشدي أن يسمّيه في كتابه بحرف "A"، لا أكثر. معه يُجري رشدي أربع مقابلات خيالية، سيبدو فيها "A" غير نادم على فعلته، وسيحاول رشدي إقناعه، لكنّ تطرّفه وهوسه بـ"نتفليكس" وألعاب الفيديو سيمنعانه من ذلك. غير أن هذا لن يمنع رشدي من أن يحدّثه عن أفلاطون وأوفيد وسقراط وفرانز فانون وراسل.

يسرد سلمان رشدي ذلك في كتابه، ولكنّه لا يتردّد في القول للصحافة إنّ الكتب، الأدب عموماً، لا تُغيّر العالم، فتأثيرها محدودٌ جدّاً: "من النادر جدّاً أن يقدر كتابٌ على تغيير شيء في هذا العالم"، و"القضية هي كيف نتعامل مع الفظائع ونعالجها" في إشارة إلى أنّ الأدب قد يغيّر الطريقة التي ننظر فيها إلى العالم. "نعيش في عصر من الأكاذيب. بوتين يقول إنّ الأوكرانيين نازيون، وترامب يدّعي أن انتخابات 2020 كانت مزوّرة. الكثير من الناس ينتهي بهم المطاف إلى ابتلاع هذه الأكاذيب"، يضيف للصحافة في لقائه المفتوح معهم، والذي حاوره فيه الكاتب خافيير ثيركاس.

ينطلق رشدي في كتابه من لحظة حاسمة في حياته. لحظة الطعن. لحظة مواجهة الموت وجهاً لوجه، ولحظة السكّين التي أصبحت الآن وراءه. يتنزّه في صالات "متحف الملكة صوفيا" في مدريد، مع زوجته، معبّراً عن رفضه للتطرف والتعصّب والقتل والعنف، أياً كان شكله ونوعه. ينظر أمامه إلى الحصان الموجود في لوحة "غرنيكا" لبيكاسو. "القنابل لا تزال تسقط وهي جزء من هذا العصر الذي نعيش فيه، لذلك لوحة بيكاسو مستمرّة دائماً، والصرخات لا تزال موجودة". يعلّق، كأنّ اللحظة التي يعيشها تتلخّص بين أمرين: السكّين الذي أصبح وراءه، ولوحة بيكاسو التي تُجسّد القنابل التي لا تزال تسقط.

المساهمون