في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 1973، أعلن قادة الانقلاب العسكري انتحار رئيس تشيلي المنتخَب سلفادور أليندي، حيث فجّرت رصاصتان رأسه وقتلتاه على الفور؛ مشهدٌ دفع الفنانة والكاتبة التشيلية سيسيليا فيكونا (1948) إلى إصدار مجموعتها الشعرية الأولى "سابورامي" في السنة ذاتها، والتي وثّقت قصائدها كيفية استيلاء الدكتاتور أوغستو بينوشيه على السلطة في بلادها.
كما بدأت فيكونا بالرسم في تعبير عن احتجاجها في لندن، حيث كانت تقيم، وأطلقت حركة "فنانون من أجل الديمقراطية" التي طالبَ أعضاؤها بعودة الديمقراطية إلى تشيلي، وواصلت عبر الشعر والفيديو والأداء والتركيب والنحت والرسم، دفاعها عن الحرّيات وحقوق السكّان الأصليين وحماية البيئة في قارة أميركا اللاتينية.
يُفتتح مساء الثلاثاء المقبل، الحادي عشر من الشهر الجاري، في متحف "تيت مودرن" بلندن معرض سيسيليا فيكونا، ويتواصل حتى السادس عشر من إبريل/ نيسان المقبل، ويضم مجموعة من أعمالها النسيجية التي تجمع بين مواد طبيعية وبين الحرف التقليدية في حضارات الأنديز القديمة.
بدأت الرسم احتجاجاً على وصول نظام بينوشيه إلى السلطة
تستعيد الفنانة في أعمالها منسوجات الكوبيو التي كان شعب الإنكا ينسجها من القطن أو وبر اللاما، في تصميمات تتضمّن حفظ البيانات الشخصية والعائلية، والالتزامات الضريبية، والتنظيمات العسكرية، والتقويم الذي يقسّم السنة وفق المواسم الزراعية، وجرى حظره مع الغزو الإسباني خلال القرن الخامس عشر.
تقدّم فيكونا هذه الحبال المعقودة التي ترمز إلى نظام كتابي تأسس قبل نحو أربعة آلاف عام، وسبق اختراع الأبجدية في حضارات أُخرى، بالإضافة إلى إحالاته الفلسفية، حيث تحاكي العقدة مسار الحياة التي يعيشها الإنسان عبر اختزانها الجسد والكون معاً، بحسب الحضارات الأميركولاتينية.
في لوحاتها الأولى، تأثرت الفنانة بـ"مدرسة كوزكو" التي ظهرت في تشيلي وبيرو وبوليفيا وبلدان أخرى منذ القرن السادس عشر، في أول ردة فعل على طمس الهوية على يد الإسبان، حيث استخدمت عناصر أيقونية تنتمي للفن الأوروبي من أجل الحفاط على تراث حضارات نورتي شيكو وتشافين ونازكا، قبل أن تبدأ بالمزاوجة بين الميثولوجيا والطقوس الشامانية وبين ممارسات فنية معاصرة.
في عام 1979، جمعت فيكونا الناس، وسكبت إناءً من الطلاء الأبيض احتجاجاً على موت حوالي ألفي طفل في تشيلي بسبب الحليب الملوّث، ووَضعت في عمل تركيبي آخر مجموعة هياكل صغيرة من مواد وجدتها على شاطئ البحر، مجموعها زاد عن أربعمئة قطعة، في إشارة إلى مذبحة راح ضحيّتها العدد نفسه من سكّان تشيلي الأصليين على يد نظام بينوشيه، جرى خلالها رمي أجسادهم حيّة في البحر، بعد تثبيتها بأثقال حديدية لضمان غرقهم.
وخلال العقود الخمسة الماضية، نظّمت فيكونا أيضاً قراءات شعرية في كولومبيا والولايات المتحدة على إيقاع موسيقى تشيلية وعروض بصرية من تصميمها، للتعبير عن معارضتها أحداثاً عديدة، منها الحرب الأميركية على فيتنام، وقمع المعارضين السياسيين في أميركا الجنوبية، ومناصرتها قضايا المرأة والبيئة، والتي تبرز في مجموعاتها الشعرية التي تجاوزت العشرين، بالإضافة إلى مقالاتها ودراساتها حول الشعر، والحفاظ على ذاكرة شعوب الأنديز، والديمقراطية، والفقر.
في أعمالها المفاهيمية الجديدة، تواصل فيكونا التأكيد على العلاقة الوثيقة بين الفن والسياسة ضمن أربعة أقسام؛ منسوجات الكوبيو التي تعبّر عن مقاومة الاستعمار باللغة، والأعمال التركيبية التي تجمع بين الطقوس واستخدام مواد هشة، مثل الريش والأوراق والحجارة والعظام، لتناول قضايا تهمّ مجتمعات الجنوب، وأفلامها الوثائقية التي تركّز على البيئة، ولوحاتها التي رسَمت خلالها شخصيات سياسية وأدبية من القارة الأميركية الجنوبية بأسلوب يشبه الأيقونات الدينية.