زكريا
(عن ز. ز)
جَحفَل
حتى الشظايا
وهي تنغرس في وجهه الأسمر
أخذت شكل النجوم
تتلألأ خلسةً
من داخل العيون
وكأنّ العالم الذي ينهار حوله
محضُ عادة
تشهدُها عيناه كل يوم
يمشي ككل الرّفاق القدامى
بلا تيه…بلا كبرياء
وكأنه ليس لوحده جيشٌ،
جحفلٌ بألف لواء!
*
عصَابة
يضعون أمام النجوم سحابة
حمقى…
ها هو يبتسم للدُّعابة
والعينان ترنوان من خلف السّواد
إلى السماء
تنظران في عيني رفيقه العتيق الأيام
تضحكان:
"انظر يا صاحب الشمس
يحجبون درب التبّانة
بخرقة سوداء!"
يقول مداعباً رفيقَه
ويضحك الاثنان.
■ ■ ■
مُطاردون نحن...أقول للمرأة بجانبي
أفتح ديواناً للماغوط
أُلملِم منه سعالَه المتراكم
أَعُدّ خطواته التائهة في شوارع بيروت ودمشق
أُمسِك بياقة مُخبِر نائمٍ على طاولة مقهى
وأكاد أعلن انقلاباً على حكومة الشمس العالية
ثم أتنبّه إلى سعالي المتزايد
وصدري المتشنِّج تحت أضلاعي
أسمع جواسيسَ الأمم يحاصرون بيتي
وأستعدّ لأقصّ عليهم مظلومية البرد والمرض
أهمس إلى امرأة تسمعني أقرأ بحماسة وعنفوان
بأنّه "قد تمّت نبوءة ما أقرأه أمامكِ اليوم"
كلّنا مطاردون ومرضى
كلّنا مولودون ليتربَّص بنا أولادُ نمرود
■ ■ ■
مشرق القمر اللاهب
نارٌ نارٌ من القمر الأصهب
شروقٌ ليليّ من خلف التلال
لَهَبٌ أفلتَ من مِشعل ملاكٍ رحّالة/
وتكوّر داخل مياه الفضاء.
عزيفٌ بلا صوت في بادية لا نرى إلّا أخيلة حكاياها
الثلج يذوب ليصير رمالاً وأشباحَ تماثيل
وشجرة الكمّثرى أمام النافذة/
تستيقظ لتمثّل في مسرح عرائس ألف ليلة وليلة.
*
ظلمةٌ ظلمةٌ كسردابٍ بين أجنحة قلعة
وفرسانٌ في الخارج ينتظرون/
لكي يهتديَ امرؤ القيس أخيراً إلى مملكته.
كأنّ خياماً من السماء تنزل وتستوطن حافة الغابة
كأنّ طَرَفة أفلت من الغدر وجاء يقصّ حكايته تحت عباءة الليل
كأنّ التلال تقترب إلينا
ترتفع لكي تمتدّ سلالمنا فنتسلق الصّخر المُورَّد/
ونرى من بعيد...
كيف ترتطم أمواج البحر الأحمر بالجبال السوداء
كيف تهمس الرّياح بموعد نبوّة جديدة.
■ ■ ■
برقية إلى محمد الماغوط
أنا أيضاً كنت أريد
أن يتأمل جميع البشر خبايا الطبيعة
وأن تتملّكهم أساطيرها.
وكنت أريد أن تصير جميع العقول
معبداً كبيراً
للنار والهواء والألوان الغريبة.
وأنا أيضاً كنت أظنّ
أنّ كل النساء
يجب أن يصغين
إلى نداء الغيم وليس إلى رائحة التراب
وأن يثملن بالشِّعر ويغرقن في الأحلام
ويودعنَ في مغاوري كنوزهنّ الأثيرة.
وأنا أيضاً يا صديق الرؤى
كنت أريد عالماً
يصغي كل ساكنيه إلى الشِّعر أو يعملون به
وكنت أؤمن بتميمة القصيدة
وبلقاء مع حبيبتي في مدينة الخَيّام
وبألف "سمرنار" (*)
وبأخلاط التوابل السحرية وجُزُر السندباد.
وكنتُ أريد مدناً شوارعها مبنيّة بالحجارة والمنامات
حيث الناس لا تكبُر
وحيث الأجساد نصفها لحم ودم
ونصفها الآخر أحجية لصائدي الألغاز.
ولكن صبري نفد
فخلعت باكراً جبّة الكهنوت ونسيت الصلوات
ورحت أطارد بنفسي أفواج الملائكة
لأستنطقها عن مصير العالم
وأسألها عن أبواب طروادة الجديدة
عسى أن أقنعها
بأن تدعني أفتح لها الأبواب
فتأتي وتغزو العالم
وتنقذه…
من مصيره النثريّ الأسود.
(*) ديوان للشاعر السوري الراحل سليمان عواد ذكره الماغوط في نصه "سليمان عواد"
* شاعر ومترجم سوري مقيم في السويد