لِمَ ثمّة شعراء شعروا بالمعضلة في العضل، وذلك عندما علموا أنّه لا بأس من الاحتجاج ضدّ المجتمع، والشعور بالغضب ضدّه، لأنّهم عاشوا في أغنية كانت فيها كلّ الوسائل صالحة لمنع نهاية الفرح من أن تتقدّم؟ لِمَ كلُّ شعِرنا المُقاوم راح على فاشوش؟ هل تتطلّب كلّ ثورةٍ نشيداً، وكلمات هذا النشيد قد تُحرّر شعباً مظلوماً وقد لا؟
ما هي القصيدةُ التي جعلت من السهل تحرير عقلك والتفكير بشكلٍ مختلف؟ حقيقة باردة: الشعر بطبيعته الهشّة غير قادر على تنوير ولا على تثوير ولا على تحرير الناس. هو فقط يؤثّر في قلّة القلّة؟ ناس معدودين على الأصابع؟ هل لأنّ حسمَ المعركة يتطلّب سلاحاً فعّالاً، لا قصائد فعّالة؟
لقد فشلنا بسبب أنّه في الثورة نقولُ اذهبوا نحو العدو، والناس تروح، لكن بعد الثورة يصير الحال إلى مؤسَّسة، وتقول للناس: اذهبوا ضدّ المؤسَّسة، فيجفلون ويفعلون العكس، لأنّ المؤسّسة وظائف ومصالح وامتيازات؟
لديَّ هنا بياناتٌ باردة وملموسةٌ عن سلطة ما بعد أوسلو لا تُنعش قلبَ أيّ شاعر محترم. لقد قيلت أشياء فظيعة، لكن لم يعرفها أحد بسبب سيطرة وسائل الإعلام. وعليه، فالغالبية المهمَّشة ممنوعةٌ من التداول.
درس الفلسفة في مسقط رأسه في كُتب تُباع على البسطات وفي المكتبات
لقد كان اشتقاقاً نازيّاً: إذا نشرَت أيُّ صحيفةٍ شيئاً ما ضدّ ما يجري، فستواجه مشاكل مع المقاطعات بكافّة أنواعها، تسير وتتعثّر ثم تنقرض؟ والبعض من الشعراء هُدّد بالسجن، وبقية الضغوط الأُخرى. هذه هي كلّ الغصّة والله.
وعليه، سوف نهربُ من السياق ونتساءل: هل لفتت حشرة على غصن شجرة انتباه قلب العابر، ليس فقط هو، فلقد كانت حقيقة للأساطير: الجميع أراد أن يعرف من هي، وماذا فعلت؟ هل سمعَ هناك، دائما شائعة، أنّه كان بنّاء، بنى: صنعَ سقوفاً؟
هذه هي الطريقة التي يبدأ بها تجميع نسيج إنسانيّ - اجتماعيّ حول رجُلٍ كان يقع بين أن يكون سياسياً وفنّياً وعلمياً، لأنّه درس الفلسفة أيضاً في مسقط رأسه، عن طريق كتبٍ ثقافية تُباع على البسطات وفي المكتبات؟
وهل هو، كما تروي إحدى بناته، مع أولئك الذين، عن قصدٍ، يبدو أنّهم توقّفوا عن الرؤية أو تحدّثوا قليلاً جداً، أو لم يعد موجوداً بصرهُم بحكم مرض السكري؟ هل الوطن مزنوقٌ ربّما كشخص يلتزم بإملاءات النص؟
هل قلبُ الشاعرِ الحقيقي كان نوعاً من المشرّدين، أو من النوع الذي لا مأوى له في مملكة هذا العالَم، أو رجُلاً هارباً يذهب من ملجأ إلى ملجأ، مع هذا الشعور بالضيق في بعض الوقت؟ من هو شاعر المدينة الداخلية في مخيَّم بروخم؟ هاه؟
هل ثمّةَ صراخٌ يأتي على وش الفجر من "بلوك بي" المقابل؟ عند سماع ذلك، قيل إنَّ البنت صهباء لديها ما يلزم: النغمة، الصياغة، المدى، القيادة، الشعور... الأسماء الكبيرة، ودعم الأموال، فضله أوليمبوس: لماذا لم ينجح الأمر؟
سؤال بدون إجابة، لكنَّ القلب يشير إلى شيءٍ دقيق: "هل كان سؤالكم سياسيّاً للغاية؟"، نعم. ربّما هي إجابتنا القاطعة؟ هذا سؤالٌ رئيسيٌّ وستستمرُّ ملاحظةً حتّى بعد العودة كجثمان إلى الوطن؟
* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا