لا يرى عبد الوهاب الكيالي أنّ انتشار الأغنية التجارية في الأردن، والعالم العربي، يؤثّر على تجارب الموسيقيين الجادّين الباحثين عن اتصال حقيقي بإرثهم الحضاري، الذي يشمل ثقافات المنطقة بامتدادها من آسيا الوسطى إلى شمال أفريقيا، بل يشير، في أكثر من مقابلة صحافية، إلى أنّ انفتاح السوق والتطوّر التكنولوجي منذ التسعينيات أسهما في توسيع حضور نماذج موسيقية أردنية وعربية تمتلك رؤية معمَّقة مختلفة.
خلاصةٌ ربّما قادت الموسيقي وعازف العود، الذي يحمل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من "جامعة جورج واشنطن" الأميركية، إلى التفرّغ للعزف والتأليف وتدريس الموسيقى منذ قرابة عاميْن، في محاولة مجتهدة لمزاوجة موسيقى المقام مع تعدّد الأصوات، وتقديم بناء نغمي متكامل تتداخل فيه الأصوات والأدوار لإنتاج صوت أغنى وأكثر تركيباً وتعقيداً.
يقيم الكيالي، عند السابعة والنصف من مساء غدٍ الجمعة، حفلاً موسيقياً على خشبة "مسرح الرينبو" في عمّان لإطلاق مشروعه "ترانسبوسيشن" (تحويل)، بالاشتراك مع عازف التشيللو والموسيقي الأردني فادي حتر. وتأتي الأمسية بعد أكثر من ثلاث سنوات على آخر حفل قدّمه في العاصمة الأردنية.
واحدة من المقطوعات التي سيؤدّيها الموسيقيان تحمل عنوان "حيرة"، وتعكس سرداً لحنياً متنوّع النغمات ومتعدّد الأصوات، وقد تحتمل مزيداً من الإضافات والتعديلات والارتجال في مرحل متقدّمة من المشروع الذي يسعى إلى إنتاج موسيقى آلاتية ضمن هذا السياق.
في حديث إلى "العربي الجديد"، يقول الكيالي: "عملتُ على المشروع وطوّرته مؤخّراً لمحاولة الاستفادة من المدى الصوتي المتشابه بين العود والتشيللو؛ الآلة التي درستُها في مرحلة من تعليمي الموسيقي في 'المعهد الوطني' بعمّان، ولدمج البنى الصوتية لكلا الآلتين (البنية المنقورة للعود والممدودة للتشيللو) لخلق موسيقى تتجاوز التراث والحدود والتقاليد والأنواع الموسيقية".
يدمج المشروع بين البنية المنقورة للعود والممدودة للتشيللو)
ويضيف: "في هذا المشروع، أُوسّع تجاربي في دمج موسيقى المقام مع الهارموني وتعدُّد الأصوات لإنتاج موسيقية نيو- كلاسيكية تدمج الشرق والغرب. معظم المؤلَّفات هي من أعمالي الخاصّة التي بدأتُ العمل عليها في ألبوم 'جذور'. وفي عمّان، سأشترك مع عازف التشيللو الأردني فادي حتر، والذي عملت معه على عدة مشاريع ومن ضمنها 'جذور'".
يتضمّن الألبوم الأوّل للكيّالي خمس مقطوعات ألّفها ووزعها، وهي: "في البال" و"نسيم الصباح" و"فرح" و"نوى" و"سامحيني"، وثلاث مقطوعات أعاد توزيعها: "غريب- سماعي حجاز" لعازف القانون التركي غوكسيل باكتاغير و"رقصة زابيون والفتيات الجميلات" لعازف العود الأرمني-الأميركي ألان شافارش باردزبانيان و"شروق" لعازف العود العراقي جميل بشير.
يلفت الكيالي إلى أنّ قلّة إنتاجاته تعود إلى قناعة مؤكّدة بأنّه إذا لم يستطع أن يضيف شيئاً في المقطوعة، إمّا لحنياً أو روحانياً أو تقنياً في العزف، فلا داعي لتأليفها، حيث كتَب مقطوعات "جذور" بين عامَي 2009 و2015، ووزّعها على مراحل مختلفة، وانتهى من بنائها الموسيقي النهائي في 2016.
يصف الكيالي "ترانسبوسيشن" بأنّه "تعبير موسيقي يعني نقل أو تحويل الطبقة الموسيقية للعزف بسلاسة وانسجام، ولكن المعنى الأعرض له هو الانتقال الزمني، المكاني، النسقي، النموذجي، الطبيعي أو/ وخلق أدوات تعبير جديدة. لذلك يركّز المشروع على سهولة انتقال الآلات من نوع موسيقي إلى آخر وقدرتها على التكيّف مع محيطات جديدة"، مضيفاً أنّه بدأ العمل على المشروع في كانون الأوّل/ ديسمبر الماضي، بموجب منحة حاز عليها من 'مجلس كندا للفنون' مع عازفة التشيللو الكندية شيلا هانيجان.
وفي حفل الغد، سيقدّم الكيالي أعمالاً من مؤلّفاته؛ هي: "في البال" (عمّان، 2012)، و"سامحيني" (الرباط، 2015)، و"بركان" (مونتريال، 2021)، و"حيرة" (مونتريال، 2021)، و"مهاجر" (مونتريال، 2022)، كما سيؤدّي مع فادي حتر "غريب - سماعي حجاز" من تأليف غوكسيل باكتاجير، و"رقصة زابيون - الفتيات الجميلات" من تأليف ألان شافارش باردازبانيان، ومن التراث اليوناني أيضاً.
يُذكر أن عبد الوهاب الكيالي أسّس فرقة "جذور" بالشراكة مع عازفين آخرين عام 2012، وأنتج ألبومه الأوّل الذي يحمل اسم الفرقة، بمشاركة محمد طهبوب (كمان)، وفادي حتر (تشيللو)، وناصر سلامة (إيقاع)، ويعرب سميرات (المونتاج والمكساج)، وبابلو شولر (ماسترنغ)، وآرام تامينيان (التصميم)، و"آلاء السخني (التصوير)، والكيالي (عود).