لم تعُد قرارات الإزالة في مصر، والتي تتعرّض لها مدافن تاريخية لأعلام الأدب والسياسة، حدثاً مفاجئاً. إذ أن هناك "تحديثات" يومية يرصدها متابعون ومختصّون، وباتت هذه القرارات تصدر على هيئة لوائح تتضمّن جملةً من المعالم، لا معلماً واحداً. ومبرّرات الاستهداف جاهزة دائماً، كالحديث عن خطط التطوير العمراني، ومدّ الكباري (الجسور)، التي يبدو أنها لن توفّر مَعْلماً على طول مصر وعرضها، وخلاف ذلك.
كان مدفن الروائي والقاصّ يحيى حقي (1905 - 1992) آخر ما استهدفته عمليات "التطوير". الأمر الذي دفع ابنته نُهى إلى أن تكتب عبر حسابها على فيسبوك (19 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي)، مُعربةً عن حزنها وخيبة أملها: "الوجيعة كبيرة والشكوى لم تعد لها قيمة... أنا زعلانة جدّاً لقرار نقل مقبرة والدي الحبيب الغالي وأسرته الحبيبة من جوار السيدة نفيسة... قرار الإزالة أزال كلّ الرجاء".
في المقابل، تفاعل مثقّفون وفنّانون كُثر مع هذه الأحداث، في محاولات جادّة لإيقاف الخطَط السلطوية. وفي هذا الصدد، نظّم "فنّانون من أجل توثيق تراث جبّانات القاهرة" معرضاً حمل عنوان "علامة إزالة"، ما بين الرابع والعاشر من الشهر الجاري، في "أتيليه القاهرة".
يبدو تبنّي المعرض لهذا العنوان سخرية سوداء من هذا الواقع الذي فرضته السلطات المصرية على تراث البلاد وآثارها، وهو يضمّ عشرات الصور واللوحات التي تتّخذُ موضوعاً لها من معالمَ أُزليت أو ما تزال مهدّدة بالإزالة، في محاولة توثيقية تطوّعية قام عليها مجموعة من الفنّانين.
وما بين قباب المساجد، وأفنية بيوت القاهرة التاريخية، وصولاً إلى القرافة الكبرى حيث مقابر المماليك ومدافن الإمام الشافعي والسيدة نفيسة، تنقلُ أعمالُ المعرض صورةً عن القيمة العمرانية والحضرية التي قد تختفي عن الوجود، وتُبنى فوقها كتلٌ إسمنتية، أو يُمزّقها طريقٌ سريع.
استخدم المنظّمون للإعلان عن المعرض منشوراً رئيسياً يتكوّن من صورة مدفن طه حسين وقد نالت منه تلك العلامة البشعة "إكس"، وهي الصورة التي قد تكون "الأشهر"، للأسف، في سياق ما شهدته الساحة الثقافية المصرية لهذا العام.
غلبت على لوحات المعرض الألوان الداكنة، في إشارة إلى غبار السنوات الطويلة التي تلفّ المعالم، أو ربّما في إشارة إلى مستقبل لا يبشّر بخير. كذلك حضرت الأعمال المشغولة بطريقة التظليل، المُوقّعة بأقلام الرصاص فحسب.
ومن الفنّانين الذين ساهموا في المعرض: أحمد الجنايني، وحسام ربيع، وريهام أنور، ونرمين يسري، وعبير رمزي، وجليلة القاضي، وعادل واسيلي، وعلياء نصّار، وعواطف صلاح، وآخرون.