يُعرف أنريكو ماتيي (1906 - 1962) بأكثر من كونه مؤسِّساً للصناعة النفطية في إيطاليا في أواخر خمسينيات القرن الماضي؛ إذْ كانت للصناعيّ الإيطالي مواقف مناهضة للفاشية في بلاده، وللهيمنة الاستعمارية، ومؤيّدةٌ للقضايا العادلة في بلدان العالَم، ومن بينها الجزائر التي كانت تخوض حرباً لاستعادة استقلالها بين 1954 و1962.
ساند ماتتي كفاح الجزائريّين ضدّ الاستعمار الفرنسي، وروّج لقضيّتهم في إيطاليا، كما لعب، بحسب مؤرّخين، دوراً بارزاً في "مفاوضات إيفيان" التي جمعت الجزائريّين والفرنسيّين مطلع الستّينيات؛ حيثُ أسهم في تحديد المحاور الإستراتيجية الكبرى للمفاوضات، في شقّها المتعلّق بالطاقة، لتكون في صالح الجزائر وحقّها في استغلال مواردها البترولية والمنجمية.
هذه المحطّاتُ كانت محور فيلم وثائقي بعنوان "أنريكو ماتيي والثورة الجزائرية" (53 د) للمخرج الجزائري علي فاتح عيادي، عُرض في "سينما الخيّام" بالجزائر العاصمة مؤخّراً، ضمن فعاليات "أسبوع الفيلم الوثائقي" التي أُقيمت بين الثاني عشر والسابع عشر من الشهر الجاري.
يُضيء الشريط (2018) على دور ماتيي في تحقيق التفاف من الطبقة السياسية في بلاده حول القضية الجزائرية، وكيف توسّط لممثلي وزارة التسليح والحكومة المؤقّتة الجزائرية لدى رجال السياسة والإعلام الإيطاليَّين مِن أجل مساندة استقلال الجزائر، إضافةً إلى دوره في خلخلة احتكار كبرى الشركات النفطية.
ويُخصّص عيادي جانباً في الفيلم لمصرع ماتيي في حادث غامض بعد أشهر قليلة من استقلال الجزائر؛ حيث قضى في تحطُّم طائرة في لوباردي شمال إيطاليا في تشرين الأوّل/ أكتوبر 1962، وهي الحادثة التي كشفت العدالة الإيطالية بعد مرور خمسة وثلاثين عاماً عليها أنّها وقعت جرّاء قنبلة جرى وضعُها في الطائرة.
ويستند العملُ إلى شهادات لعدد من الشخصيات الإيطالية والجزائرية؛ من بينها الأكاديمية الإيطالية بورنا باغناتو؛ مؤلّفة كتاب "إيطاليا وحرب الجزائر" (2012)، ومحمد خلادي، وإبراهيم بن دريس، وعلي شريف دروة؛ وهُم أعضاء سابقون في "وزارة التسليح والاتصالات العامة" خلال الثورة الجزائرية.
يُذكَر أنّ الفيلم كتبه علي فاتح عيّادي، وأنتجته "الوكالة الوطنية للإشعاع الثقافي" و"المركز الوطني للسينما والسمعي البصري" و"المركز الجزائري لتطوير السينما"، وقد عُرض لأوّل مرّة ضمن "مهرجان الجزائر للسينما" عام 2018.