رحلت صباح اليوم الثلاثاء الشاعرة اللبنانية عناية جابر (1958 – 2021) بعد صراع مع المرض، ورحلة مع الكتابة بدأتها منذ إصدار مجموعتها الأولى "طقوس الظلام" عام 1994، إلى جانب عملها في الصحافة اللبنانية والعربية، وممارستها التشكيل والغناء.
وُلدت الراحلة في مدينة بيروت، وتعود أصولها إلى قرية السلطانية في قضاء بنت جبيل بالجنوب اللبناني حيث تلقت تعليمها الأساسي هناك، ثم واصلت دراستها لتنال الشهادة الجامعية الأولى في العلوم السياسية من "الجامعة اللبنانية".
عبّرت جابر في قصيدتها عن اليومي والعابر في لغة اتسمت بالتقشف ومسحة خافتة، ملتفتة أكثر إلى الصور والمشهدية وتفاصيل صامتة، مع ميل إلى التأمل والتعبير عن مناخات العزلة في مجموعات متأخرة، كما في قصيدة "فكرتي سوداء طويلة، بأعجوبة ينجو النهار"، إذ تقول: "الكئيب الليل/ فلا ألمس الذكريات/ ولا حبوب النوم/ فكرتي سوداء وطويلة/ لكن أية فكرة/ كانت؟/ دائم أنت في الليل/ في وجع أسناني/ وفي قلبي المريض/ بأعجوبة/ ينجو النهار".
جمعت بين كتابة الشعر والصحافة، وممارسة الفن التشكيلي والغناء
كتبت في الشأن الثقافي والفني في عدد من الصحف والمجلات العربية، إلى جانب دراستها الغناء وتقديمها العديد من الحفلات في دار الأوبر المصرية و"الأونسكو" ومسرح المدينة في بيروت، وفي بلدان أخرى، حيث أدّت مقطوعات لأم كلثوم، وليلى مراد، وعبد الحليم حافظ وفايزة أحمد.
وتذهب جابر في شعرها إلى مساحات جريئة في التعبير عن أحوال الجسد والبوح عن حالات الفقد والحنين والاشتياق والتذكر، وتوصيف أقصى درجات الانكسار والتشظي التي ولّدتها خسارات الحب، حيث تدوّن في إحدى قصائدها "من الغياب أصنع لكَ تمثالاً/ وعليه أن يستمر/ على هذا الوضع، بينما الغرفةُ تنظر إلى عُريي".
وخلال أكثر من ربع قرن، أصدرت العديد من المجموعات الشعرية، منها: "مزاج خاسر"، و"ثم إنني مشغولة"، و"أستعد للعشاء"، و"أمور بسيطة"، و"ساتان أبيض"، و"جميع أسبابنا"، و"لا أخوات لي"، و"عروض الحديقة"، و"لا أحد يضيع في بيروت".
كتبت جابر في قصيدة "حدث أحياناً أنّني أبكي" التي تضمّنتها مجموعة "ساتان أبيض"، قائلة:
"بين أصدقائنا كلّهم
مات الذي نحبّه أكثر
ومشدود إلى موته سألناه
هل أحبّنا بدوره!".