الحديث عن أديبة نوبل الإيطالية غراتسيا ديليدا (1871 - 1936) أكثر ما يُحيل إلى ذلك الصنف من الأدباء والكتّاب الذين يمكنُ وصفهم بالعِناد؛ لتقاطُع الإصرار في رحلة حياتهم مع مشوارهم في احتراف الكتابة، إلى جانب ما يمتلكونه من إشارات تمكُّن بدَت عليهم منذ الصغر، وهذا ما أتاح لها أن تكون ثاني امرأة تحصل على الجائزة الأرفع في عالم الأدب عام 1926.
"الهروب إلى مصر" عنوان الرواية التي صدرت بالعربية مؤخّراً للأديبة الراحلة، بتوقيع المُترجم ياسر شرف عن "دار كليوباترا للنشر والتوزيع". وفيها تبرز سمات المذهب الواقعي الذي اعتمدته صاحبة "الحبّ والحقد" (1915) في كتاباتها، الأمر الذي جعل الموقف النقدي منها في جدلٍ دائم بين مرحِّب بنبرتها الهادئة وسردها البطيء وموضوعاتها الإنسانية المُنتقاة، وبين حذرٍ من رتابة أسلوبية على عكس صخب أمواج المتوسط التي تحيط بمسقط رأسها، وهي التي آثرت العيش في روما برفقة زوجها في عُزلة وتفرّغ لكتابة الأدب.
تشفّ الرواية عن حمولة أخلاقية ونظرة معيارية للعالم، لا تبدو بعيدةً عن التصوّرات الدينية، خاصّة أنّها لعبت على الوِجهة (مصر) في العنوان، لتمرّر من خلالها قصة بطلها جوزيبي دي نيكولا وابنه اللذين سيجسّدان رمزياً الكثير من سرد الحكاية والتاريخ المتعلّق في جزء منه بالوعي الديني لمفاهيم الثواب والعقاب، والخطيئة والكفّارة.
يعود الصوت الروائي عند صاحبة "رماد" (1903) إلى مقاربة الواقع ضمن منطق الثنائيات الكلاسيكية، حيث يحضر الخير والشرّ منذ بداية الرواية، مع ذلك فاللافت هو قدرتها الحاضرة على التخلّص من فجاجة الطرح، ولو أنّها لا تنجو في النهاية من وَقع الأمثولة التي تقدّمها ممتزجة بالألم الإنساني.
يُشار إلى أنّ عدداً من روايات ديليدا حظيت بالترجمة إلى العربية ومنها: "رماد" و"إلياس بورتولو" و"قوى خفية" و"الأم" و"بعد الطلاق" و"قصب في مهبّ الريح"، بالإضافة إلى عدد من القصص القصيرة.