على مدار نصف قرن، كان قاسم حول أحد الفاعلين في تأسيس ما عُرف بـ سينما الثورة الفلسطينية وسينماءات عدد من البلدان العربية مثل اليمن وليبيا، رغم صعوبة ظروف الإنتاج ونقص الكوادر المؤهلة وشحّ الموارد أحياناً، ليراكم أرشيفاً لا يزال مادة مهمة للدرس وفهم السياقات الفكرية والسياسية التي أُنتجت خلالها أفلامه، وهو ما يتحدث عنه في لقاء افتراضي الثلاثاء الماضي، بتنظيم من "مركز خليل السكاكيني" في رام الله.
يعود المخرج السينمائي والروائي العراقي (1940)، في اللقاء، إلى لحظة خروجه من المعتقل؛ حيث قرّر حينها مغادرة العراق، متوجّهاً إلى بيروت، في انتظار أن تُصدر السفارة البريطانية هناك تأشيرة سفر إلى الإمارات للعمل فيها، وفي أحد الأيام ذهب مع صديقٍ لتناول الغداء في مطعم كان يقعُ بالقرب من "مجلة الهدف" فالتقى غسان كنفاني فيه.
مصادفة قادته للتعرّف إلى الروائي الفلسطيني (1936 -1972) الذي عرَض عليه أن يذهب لمشاهدة مسرحية "أوكازيون" للكاتب اللبناني عصام محفوظ، وأعطاه نصّها أيضاً من أجل الكتابة عنها في "الهدف"، وحين أرسل حوَل مقاله حول العرض مكتوباً ومؤدّى، اتصل به كنفاني وحثّه على ألّا يسافر إلى أبوظبي واستطاع إقناعه بالعمل في المجلة، قائلاً: "تجوع معنا وتشبع معنا".
لقاؤه بغسان كنفاني في بيروت كان نقطة تحوّل أساسية في حياته
التحق صاحب فيلم "اليد" (1972) بالقسم الثقافي، واشتغل محرّراً برفقة الكاتب محمود الريماوي، وبدأ تدريس التمثيل والإخراج والديكور المسرحي للأطفال في مخيم نهر البارد، ليجمع معايشاته فيه في فيلم وثائقي أنتجته "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" آنذاك بميزانية لم تبلغ أكثر من أربعة آلاف وخمسمائة ليرة لبنانية، لافتاً إلى ذهابه إلى ألمانيا الشرقية لعرضه في أحد المهرجانات، وهناك احتجّ بسبب عدم رفْع علم فلسطين ضمن أعلام البلدان المشاركة، ولم يعرض الفيلم إلى أن رُفع العلم، وكانت تلك أول مشاركة فلسطينية في مهرجان سينمائي دولي.
استطاع حوَل أن ينسج علاقات وثيقة مع سينمائيين من كوبا وفيتنام قدّموا أفلاماً وثائقية عن مقاومتهم للأميركان، والتي استعارها منهم وعرضها في المخيمات الفلسطينية بلبنان، ثم اكتشف خلال تلك الجولات تجارب سينمائية فلسطينية سبقت الثورة، ومنها تجربة إبراهيم حسن سرحان الذي التقاه ووثّق سيرته منذ صنع بمفرده جهاز تقطيع الأفلام "مافيولا"، بجانب جهاز للطبع ومعمل للتحميض، حيث أنتج فيلماً صامتاً مدّته عشرين دقيقة، وأتبعه بأفلام تسّجل زيارة مسؤولين عرب إلى فلسطين خلال الثلاثينيات، وبعد إجراء حوَل مقابلات حيّة معه ودراسة حول أفلامه أصدر كتاباً بعنوان "السينما الفلسطينية" الذي يعدّ مرجعاً لبدايات السينما في فلسطين.
إلى جانب الإنتاج السينمائي والبحث والكتابة، قام صاحب فيلم "عائد إلى حيفا" (1982) بتدريب العديد من الشباب على التصوير والإخراج، وبعضهم خطّ مساره المهني في عدد من المحطّات الفضائية، وكذلك درّب المقاتلين الفلسطينين آنذاك في دوراتهم، حيث كانوا جميعهم يتقنون التصوير من أجل توثيق تدريبهم وعملياتهم العسكرية، مستعرضاً مجموعة من الصور التي التُقطت في غابات بالقرب من مدينة صور أثناء القصف الإسرائيلي، كما تناول تدمير الآلة الصهيونية لعدد من المخيمات الفلسطينية في فيلمه "بيوتنا الصغيرة" (1974).
يلفت حوَل إلى أن تفاصيل الحياة اليومية لكّل ما يتصل بالثورة الفلسطينية جرى تسجيلها بصرياً ما بين عاميْ 1974 و1982، وتتضمّن الجانب العسكري وزيارات وخطب المسؤولين والأنشطة الثقافية التي كانت تُنظّم، والتجمعات السياسية والعديد من المناسبات التي جرى حفظها جميعها في ميكروفيلم، منبهاً إلى أن نسخة من كامل أرشيف الأفلام موجودة في المتحف الألماني، لكن الاحتلال الإسرائيلي استطاع أن يصل إلى وثائقها الأصلية.