قد يكون المطبخ أو الحمام المكان الأول الذي يبدأ فيه الهجر. يعرف السياسيون هذا جيداً. في أحد الأيام تترك الأطباق والكؤوس من دون غسيل، في يوم آخر، تنسى أن تزيل الشعر الذي سقط منك في حوض الحمام. ثم بعد ذلك، تنتقل العدوى وتتوقف عن ترتيب سريرك. قد تزعجك الفوضى وعدم الترتيب لمدة أسبوع، ولكنك سرعان ما تتعود على الأمر، وهكذا تبدأ أعشاش القذارة وأوكارها في الانتشار وصولاً إلى ممر البيت. تتراكم أكياس القمامة في المطبخ ويأتي وقت، تعيش فيه، حرفياً، في مزبلة من دون أن تدرك ذلك.
يعرف السياسيون "المهجورون" ذلك جيداً. فالشيء نفسه يحدث معهم تقريباً. أولاً يبدؤون بخطابات ضد الديمقراطية، بل وفاشية إلى حدّ ما، ثم يتركون هذه الأفكار تتجذّر فيهم لسنوات، وهكذا يفقدون القدرة على السيطرة عليها، وتتحول هذه الأفكار إلى قمامة عقلية بامتياز، تتجسد على شكل مواقف سياسية واجتماعية: لا عقل، لا أفكار، لا شيء على الإطلاق إلا الكره. وللتظاهر بأنك شخص ديمقراطي، وشعبي، غير "مهجور"، لا تتردد في الخروج والتقاط الصور، حتى مع من يتجنبونك خجلاً منك. لقد امتدت القذارة العقلية وانتشرت وانتهى الأمر بك بهذه الطريقة!
هذا ما حدث في هذه الصورة التي يظهر فيها أندرو يانغ، مرشح رئاسة بلدية نيويورك، في يوم الانتخابات التمهيدية، إلى جانب الكاتبة الأميركية نانسي كريكوريان التي كانت برفقة عائلتها في رحلة البحث عن شقة لابنتها، التي ستبدأ بدراسة الحقوق في كلية الحقوق بجامعة نيويورك. تحديداً، في منهاتن، قررت العائلة الدخول إلى أحد المحلات لتناول القهوة، وإذ بمرشح بلدية نيويورك مقتحماً المكان، في محاولة منه للتقرب من رواد المكان والتقاط الصور معهم من أجل حملته الانتخابية. ما إن رأى مرشح بلدية نيويورك الكاتبة الأميركية حتى اقترب منها وطلب التقاط هذه الصورة.
حاولت نانسي ألا تتفاعل معه، وتجنبته أكثر من مرة، لا سيما بعد تصريحاته "القذرة" الأخيرة بحق ذوي الاحتياجات الخاصة والمشردين، ناهيك عن غيرها من مواقفه السياسية الوسخة. لكن مع ذلك، اقترب من وراء الطاولة، فرفعت نانسي يديها وغطت وجهها، في إشارة واضحة على خجلها من أن تظهر معه في صورة واحدة، وسارع زوج الكاتبة الأميركية إلى التقاط هذه الصورة ونشرها على التويتر.
بطاقة
تنشط نانسي كريكوريان في حركة الحقوق المدنية الأميركية، كما تنشط من أجل الاعتراف بذاكرة الضحايا الأرمن، وحركة مقاطعة إسرائيل في الولايات المتحدة. لدى سؤالها إن كانت تواجه ضغطاً في الولايات المتحدة نتيجة لنشاطها من أجل فلسطين ومقاطعة إسرائيل ومنتجات مستوطناتها، أكدت كريكوريان أن الحراك يتسع، ويصبح ملموساً في الأوساط اليسارية، وفي الأوساط اليهودية في أميركا، التي باتت واعية بالقضية وبدأت تتكلّم أخيراً. ورغم مواجهتها بعض المتاعب، إلا أنها تؤكد أن نسبة كبيرة من الناشطين في الحراك المدني الأميركي باتوا أكثر اهتماماً بالقضية والحقوق الفلسطينية.