تقف هذه الزاوية مع كاتب من العالم في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع القارئ العربي. "أفكّر في اللغة وكأنني أفكّر في نفسي.. أغضب عليها أحياناً لكنني أحبها وأريد حمايتها وتطويرها"، يقول الشاعر التركي لـ "العربي الجديد".
■ كيف تقدّم المشهد الأدبي والثقافي في بلدك لقارئ لا يعرفه؟
- أحبُّ أن أقول في البداية إن المشهد الأدبي التركي هو امتداد لمدرستين كبيرتين؛ الأولى مدرسة الشعر الشعبي التركي التي بدأت قبل القرن الثالث عشر (يونس إمره، كاراجا أوغلان، بير سلطان أبدال، كور أوغلو، دادال أوغلو، إمراه، وايسال، إلخ) واستمرت حتى يومنا هذا. والثانية مدرسة الشعر الديواني (أي الشعر العثماني) الذي يُعد مصدراً مهمّاً ومتفرّداً، وقد تجسّد في إبداع فضولي، وباقي، ونديم، وشيخ غالب، وغيرهم من الشعراء. وقد استمر هذا الشعر حتى القرن العشرين، بأدوات جديدة، بفضل أسطوات مثل توفيق فكرت وأحمد هاشم، وبالأخص يحيى كمال الذي أبدع في هذا النوع من الشعر على المستويين اللغوي والصوتي. وبالإضافة إلى هذين الطريقين في الشعر، ظهرت حركة شعرية معاصرة على يد ناظم حكمت، وفاضل حسنو داغلارجا، وأورهان ولي، ومليح جودت، وأوكتاي رفعت، وبهجت نجاتي جيل، وأتيلا إلهان، وأحمد عارف، وتورجوت أويار، وجمال ثريا، وهم أصحاب التأثير الأبرز على شعراء تركيا حتى اليوم.
وفي مجالَي الرواية والقصة، فالأعمال المهمّة بدأت في القرن العشرين مع خالد ضياء، وعمر سيف الدين، ويعقوب قدري، ورفيق خالد كراي، ورشاد نوري جونتكين، وفي السنوات الأخيرة تأثر أغلب الكتاب الأتراك بصباح الدين علي، وسعيد فائق، ويشار كمال، وأورهان كمال، وكمال طاهر، ووداد تركلي، وعدالات أغا أوغلو.
■ كيف تقدّم عملك لقارئ جديد، وبأي كتاب لك تنصحه أن يبدأ؟
- أنا شاعر. وبلا شك فإن الإبداع الشعري هو عمل جاد من أعمال التأليف، لكنه معجزة أيضاً. وأتصوّر أن على من يرغب في التعرّف على تجربة أي شاعر أن يقرأها كاملة.
يجب التغلّب على جهلنا ببعضنا بالترجمة واللقاءات
■ ما السؤال الذي يشغلك هذه الأيام؟
- الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا، ومشاكل التعليم والعلاقات الاجتماعية، وعدم حساسية الإنسان تجاه نوعه من عالم الحيوان والطبيعة. أفكر أيضاً في أن النظام في تركيا والعالم في أيادي من لا يستحقون. ومنذ زمن طويل لم أستطع كتابة الشعر الذي أريد.
■ ما أكثر ما تحبّه في الثقافة التي تنتمي إليها وما هو أكثر ما تتمنى تغييره فيها؟
- الشيء المميز في ثقافتنا هو كرم شعبنا. وأريد أن يتعلّم شعبنا أكثر ويتغلّب على الجهل.
■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
- أعتقد أنني سأختار نفس الطريق.
الإبداع الشعري عمل تأليفي جاد لكنه معجزة أيضاً
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- أتمنى أن يجتمع الناس معاً ليشكّلوا أخلاقاً عالمية، وأن نتغلّب على الفردية. وأن يستقر في وعي كل فرد أننا جميعاً من نفس الجنس البشري ولنا مصير مشترك.
■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- من الممكن أن يكون جورج بايرون، لأنه ذكي ومضحك، أو بوشكين، لأتحدث معه عن الشعر والنساء الجميلات. ومن الممكن أيضاً أن يكون شكسبير، لأحاول أن أتعلّم منه أسرار فن الكتابة المسرحية.
■ ما هو، في اعتقادك، أكبر خطر على حرية الكاتب والكتابة في العالم اليوم؟
- في رأيي، هو خطر ضياع الوقت في طموح وتنوّع وسرعة المجتمع الاستهلاكي والتكنولوجيا. وعدم القدرة على التعمّق.
نحن قريبون من العرب، لكننا نعرف القليل عن بعضنا
■ ما هي قضيتك وهل يمكن أن تكون الكتابة قضية بذاتها؟
- قضيتي هي محاولة أن أكتب شيئاً جديداً مدهشاً، يترك القارئ في حيرة.
■ الأدب العالمي يكتبه المترجمون، إلى أي درجة توافق على هذه المقولة وإلى أي درجة كتبك المترجمون؟
- هذه مبالغة بالتأكيد. لكن الترجمة مهمّة للغاية، وأنا مدين لكل من ترجم لي. إنهم إخوتي في الشعر. وكلّما رأيت تأثير هذه الترجمات على قرّاء من لغات أخرى، أشعر بشعور فريد من نوعه.
■ كيف تصف علاقتك مع اللغة التي تكتب فيها؟
- اللغة التي أكتب (أفكر، أتحدث، أحلم، أحاول إعادة البناء) بها هي أنا. أفكر في اللغة وكأنني أفكر في نفسي، أغضب عليها أحياناً لكنني أحبها. وأريد حمايتها وتطويرها. إن اللغة التركية هي لغة شعرية في المقام الأول، مجرّدة ووجيزة، وتناغم الحروف الصوتية جعلها لغة شعرية بامتياز.
■ كاتب منسي من لغتك تودّ أن يقرأه العالم؟
- أعتقد أنه سعيد فائق. هو لم يُنس في بلدنا، لكنني أتصوّر أنه لم يُفهم حتى اليوم بشكل كاف. والعالم لا يعرفه، رغم أنه لا يقل أهمية عن تشيخوف.
■ لو بقي إنتاجك بعد 1000 سنة، كيف تحب أن تكون صورتك عند قرّائك؟
- لا أستطيع في الأساس أن أتخيل العالم بعد ألف سنة، وإذا استمر العالم هكذا فمن المشكوك فيه أن البشرية ستبقى ألف سنة أُخرى. ولكن إذا بقيت بعض قصائدي في السنوات اللاحقة، فأتمنّى عندما يقرأها البعض أن يقولوا عني: "كان لديه شعور قوي بالرحمة، وكان محبّاً للحياة".
■ كلمة صغيرة شخصية لقارئ عربي يقرأ أعمالك اليوم؟
- نحن قريبون جدّاً من العرب، لكننا لا نعرف عن بعضنا البعض إلّا القليل. يجب التغلّب على هذا الجهل بالترجمة واللقاءات المتبادلة. ولو كان لي أن أحكي شيئاً خاصاً، فأحب أن أذكر أنني شاهدت في أحد المساءات بضواحي باريس، فتاتين تتحدثان العربية، ولم أنس تأثير حديثهما حتى الآن. وكأنّ شيئاً حريريّاً كان يُنسج فوق المساء. أرغب بشدة في أن يكون لي مختارات من شعري بهذه اللغة الحريرية.
بطاقة
Ataol behramoğlu شاعر ومترجم تركي من مواليد إسطنبول عام 1942، تخرّج من قسم اللغة الروسية وآدابها بجامعة أنقرة عام 1966. أصدر مع الشاعر عصمت أوزال مجلّة "أصدقاء الشعب" الأدبية بين عامي 1965 و1971. بدأ بنشر مجموعاته الشعرية منذ منتصف الستينيات بمجموعة "الجنرال الأرمني"، ثم "يوماً ما، بالتأكيد" عام 1970، و"ملحمة مصطفى صبحي" عام 1979، و"رباعيات" (1983)، و"نيسان القديم" (1987)، بالإضافة إلى العديد من المجموعات الشعرية الأخرى، آخرها "يا له من خائن" (2018). كما صدرت له العديد من الترجمات عن الروسية، مثل الأعمال الكاملة لبوشكين وبعض أعمال تشيخوف وماكسيم غوركي وميخائيل ليرمنتوف وماياموفسكي وغيرهم من الأدباء الروس. وله أيضاً بعض الإصدارات الأخرى، مثل "أنطولوجيا الشعر التركي" في جزأين (1987)، و"أنطولوجيا الشعر الروسي المعاصر" (2008).