كريولانس معاصراً.. بمجرّد أن يقول له الشعبُ "لا"

03 اغسطس 2024
من العرض (تصوير: خيرو موراليس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **أهمية مسرحية "كريولانس"**: تعتبر مسرحية "كريولانس" من تراجيديات شكسبير الأقل شهرة، لكنها تبرز الصراع بين البطل المستبد وطبقة العامة الفقيرة، مما يجعلها تعبيراً عن التراجيديا المعاصرة في البلدان الدكتاتورية.

- **العرض المسرحي في ماردة**: قدم المخرج أنطونيو سيمون "كريولانس" في "المسرح الروماني" بماردة، ضمن "المهرجان الدولي للمسرح الكلاسيكي"، برؤية معاصرة تعكس الصراع الاجتماعي والحرب.

- **الصراع بين الأخلاق والسياسة**: يرفض العامة تعيين كريولانس قنصلاً، مما يعكس إسقاطات على الواقع المعاصر، وينتهي العرض بخيانة كريولانس لبلده، مما يطرح تساؤلات عن العلاقة بين الأخلاق والسياسة.

قد تكون مسرحية "كريولانس" (1923) واحدةً من تراجيديات الكاتب البريطاني وليام شكسبير (1564 - 1616) الأقلّ شهرة. ربّما يعود ذلك إلى أنّ بطلها يفتقر إلى تعقيدات هاملت، أو قدرة الملك لير على إثارة العواطف واستمالتها. فـ كريولانس، في نهاية المطاف، وعلى الرغم من كونه محارباً رومانياً، لا يعاني ولا تطارده، كما حدث مع ماكبث مثلاً، أشباحُ من قتلهم، بل إنّ صراع ذلك الجنرال الروماني الحقيقيَّ هو مع عناده وغطرسته وازدرائه للعامّة. وهذه أمور يستطيع المرء أن يجدها في أيّة مسرحية كلاسيكية. لكن، ما الذي يجعل هذا العمل المسرحي جذّاباً إلى درجة أنّ بريخت، وجون أوسبورن، وغونتر غراس أعادوا كتابته؟

يُصرّ المُخرج المسرحي الإسباني أنطونيو سيمون أنّ "كريولانس" هي أكثر مسرحيات شكسبير تطرّقاً للسياسة، بوصفها تُجسّد الصراع بين البطل المستبدّ وطبقة العامّة المُنهكة والفقيرة. فهي بذلك تُعبّر اليوم عن التراجيديا المعاصرة التي نعيشها في البلدان الدكتاتورية، حيث تواجهه الشعوبُ حكّامها المستبدّين.

لهذا السبب إذن، قرّر سيمون استعادتها وتقديمها على خشبة "المسرح الروماني" في مدينة ماردة الإسبانية، ضمن فعاليات الدورة السبعين من "المهرجان الدولي للمسرح الكلاسيكي"، التي أُقيمت بالمدينة الإسبانية مؤخَّراً.

برؤية إخراجية مُعاصرة، وعلى خشبة مؤلّفة من أربع منصّات، يتحرّك الممثّلون الذي يلبسون ثياباً مُعاصرة وربطات عنق، حيث نشهد في القسم الأوّل من العرض صراعاً اجتماعياً كبيراً، تواجِه فيه الطبقة الحاكمة (الأرستقراطيون) بقيةَ الشعب. الناس جائعون، والكلّ يبحث عن القمح. وبسرعة، ينقلنا المُخرج إلى أجواء الحرب، في منصّة ثانية، وموسيقى حركية ملائمة لحركات الممثّلين وإيقاعاتهم، إضافة إلى إضاءة خاصّة ومناسبة، ليعرّفنا على بطل العمل: كايوس ماتريوس؛ محارب نبيل يحظى بإعجاب الطبقة الحاكمة. انتصاره العظيم على جيش الفولسيكي سيُكسبه اسم القائد كريولانس.

أسئلة عن العلاقة بين الأخلاق والسياسة وبين المستبدّ والشعب

بعد النصر، وفي القسم الثاني من العمل، وعلى منصّة ثالثة، يريد النبلاء تعيين الجنرال الروماني قنصلاً، لكن منابر العوام ترفض ذلك، لأنّه، بشكل أو بآخر، كان مسؤولاً عن أزمة القمح والجوع التي تعاني منها البلاد. هنا، يتدخّل المُخرج بشكل واضح كي يعكس إسقاطاته على الواقع المُعاصر، ويترك المنصّات الأربع، بمن فيها من ممثّلين، أبطالاً كانوا أو كورالاً أو حتى ممثّلين ثانويّين، يدخلون في لعبة الكذب والخداع والاستراتيجيات. المنصّات الأربع، بما فيها من تعرّجات، ستكون مناسبة لوصف السياسة والتواءاتها. 

إنّه فنّ السياسة، حيث يتحرّك البطل من طرفٍ إلى آخر. لهذا سنراه على إحدى المنصّات صاعداً هابطاً، في إشارة إلى الانقلابات السياسية والأيديولوجية التي يمرّ بها السياسيون، لينتهي به المطاف في منصّة جيش الفولسيكي، حيث سيخون بلده ومبادئه وشعبه، ثم يكون مصيره المنفى والموت. 

يُلاحظ في العرض الجهد الكبير الذي قام به المُخرج لتطوير النصّ دراماتورجياً، كي يواكب الواقع المُعاصر، حيث يبدو صراع البطل مع عامّة الناس تجسيداً للصراع بين الاستبداد والديمقراطية، كما أنّه يطرح تساؤلات عن العلاقة بين الأخلاق والسياسة؛ تلك الثنائية التي لا يستطيع بطل العمل المستبدّ أن يتبنّاها، وبالتالي يخون شعبه ومبادئه بمجرّد أن يقول له الشعب: لا.

لا شك أنّ شخصية كريولانس التي تَصوّرها شكسبير يمكن أن تظهر في كلّ زمان ومكان، فهي تنطبق اليوم على غالبية الحكام المستبدّين في عالمنا العربي وخارجه، أولئك الذين يُجوّعون شعوبهم ويضطهدون حريّاتهم وينتقمون منهم بمجرّد أن يتمّ رفضهم أو معارضتهم.