لولا لوبيز مونيدخار.. لا قصّة لإنسان العصر الرقمي

26 ديسمبر 2024
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في كتابها "بلا قصّة"، تستعرض لولا لوبيز مونيدخار أزمة فقدان الإنسان الحديث للقدرة على السرد، مشيرة إلى أن هذا الضمور ليس فقط بسبب صعوبة التعبير، بل نتيجة لعجز الخيال وتفريغ العالم الداخلي.

- تُبرز الكاتبة العلاقة بين "الرجال والنساء الفارغين" في القرن العشرين وتأثير التكنولوجيا والنظام الرأسمالي على إنسان القرن الحادي والعشرين، مما أدى إلى تآكل الهوية الإنسانية.

- تطرح مونيدخار سؤالاً حول إنسانيتنا في ظل العجز عن السرد، مؤكدة أن الأمل يكمن في الرغبة في استعادة الوعي والشرر الداخلي.

ما يُميّز الإنسان عن سائر المخلوقات الأُخرى هو أنّ له تاريخاً خاصّاً به؛ قصّة خاصّة بذاتيته يسردها أمام العالَم. لكنّنا اليوم، إذا ما نظرنا إلى إنسان ما بعد الحداثة، فإنّنا نستطيع التأكيد على أنّ واحدة من أبرز التحوّلات الكبرى التي مرّ بها الإنسان عبر تاريخه هي فقدانه القدرة على السرد، والصعوبة المتزايدة أكثر فأكثر في رواية نفسه وتطوير القصّة الخاصّة به وبتاريخه وذاتيته. قد يكون هذا الوضع متفاوتاً تبعاً للحقبة الزمنية، ولكنّه الآن صار وضعاً مشتركاً، يُعاني منه بالدرجة الأُولى أولئك الذين وُلدوا في العصر الرقمي؛ هذا العصر الذي يبتلع الذات الإنسانية.

في كتابها "بلا قصّة: ضمور القدرة السردية وأزمة الذاتية"، الصادر حديثاً عن دار نشر "آناغراما"، تَعرض الباحثة وعالمة النفس الإسبانية لولا لوبيز مونيدخار (1958)، بين الفلسفة والتحليل النفسي، واستناداً إلى الظواهر الثقافية الجديدة، خرائط هذا "التهجير القسري" للقدرة على السرد وضمورها، وهو ضمور ليس سببه صعوبة صياغة الأفكار في كلمات وعبارات فحسب، بل عجز الخيال والأفكار نفسها، وبالتالي إفراغ العالم الداخلي لكلّ إنسان.

هذا الوباء الذي أصاب الإنسانية، على حدّ تعبير الكاتبة، وأفقدها جوهر البحث عن معناها، فسرد الإنسان لقصّته ورواية تاريخه هو جزء من بناء هويّته الفردية والاجتماعية، وقد حوّلنا عدم القيام بذلك إلى ذوات صغيرة، وهذا يعني، بدرجة أو بأُخرى، انعدام الوعي إزاء الذات، وبالتالي إزاء الشخص الآخر الذي نتحدّث معه ونروي له سرديتنا.

ضمورٌ ليس سببه صعوبة صياغة الأفكار في كلمات، بل عجز المخيّلة

ولكي توضّح وجهة نظرها، تعود الكاتبة إلى القرن العشرين، إلى مصطلح "الرجال والنساء الفارغين"؛ حيث تكشف من خلاله الآليات الذي شدّت خيوط أولئك الرجال والنساء المجوّفين والذين تحوّلوا إلى دمى، وأدّت، بشكل أو بآخر، إلى ظهور النازية، ثمّ تقِيم علاقة ارتباط بينهم وبين إنسان القرن الحادي والعشرين، استناداً إلى التأثيرات المدمّرة على النفسية الإنسانية، والناتجة عن الاستسلام الكامل للتكنولوجيا، لا سيما في ظلّ النظام الرأسمالي الذي جعل الإنسان محاطاً بالمحفّزات، فصار ذاتاً صغيرة، وهو ما أدّى إلى الإفراغ التدريجي لجوهره الإنساني.  

يطرح الكتاب، الحائز "جائزة آناغراما للدراسات الأدبية" (2024)، السؤال التالي: هل عدم قدرتنا على سرد ذاتيتنا يعني أنّنا صرنا أقلّ إنسانية؟ ولا تتردّد لولا لوبيز مونيدخار في الإجابة بنعم. فبالنسبة إليها، وصلت الإنسانية إلى نقطة اللاعودة، وصارت عبثيّةً فكرةُ وضع حدود للعالم الرقمي، ولكنّ الأمل يبقى قائماً، أمّا الطريق إلى ذلك، وفق الكاتبة، فيمرّ عبر الرغبة. إنّها الرغبة في سماع ذلك الصوت الأوّل الموجود في الأعماق؛ صوت الشرر الداخلي، وهي الرغبة نفسها في رؤية ضوء الوعي الذي تُحاول الآلة إخماده كلّ يوم.

المساهمون