استمع إلى الملخص
- يُعيد الكتاب توجيه الفلسفة لتتواكب مع التغيرات المعاصرة، مؤكدًا على قدرتها على تقديم أدوات فعّالة للتفكير واتخاذ القرارات في الحياة اليومية، بعيدًا عن النظريات المجردة.
- يُبرز الكتاب أهمية الفلسفة كممارسة حياتية تساعد في التنقل بين التحديات اليومية، مقدمًا إطارًا لفهم العالم والتفاعل معه بشكل أعمق وأكثر معنى.
هل تريد أن تشتري سيارة رياضية أم عائلية؟ قد يبدو هذا السؤال للوهلة الأولى عاديّاً، تبعاً للسياق الذي يُطرح فيه. لكنّه قد يثير استغراباً معيّناً لو عثرنا عليه في صفحات كتاب فلسفي. فالفلسفة، كما نعرف جميعاً، لا تتناول هذه الأمور اليومية، ولا تجيب عن هذه الأسئلة المباشرة والحياتية، بل تعالج قضايا أكثر جدّية مثل: الإله، والوجود، والطبيعة وما وراءها، والإدراكيات، وقضايا أُخرى عديدة.
لكن في ظلّ المعضلات التي يعيشها الإنسان المعاصر، خصوصاً في عالَمنا العربي، بدءاً من مشكلات الماء، والضوء، والتنقّل، والمدرسة، والجامعة، والمنزل، والعائلة، والزواج، والسيارة، وصولاً إلى اللغة، والهوية، والحرّية، والكلمة... إلخ، هل سيكون للفلسفة أية قيمة أو معنى إن لم تُساعدنا على حلّ هذه المعضلات؟ واستطراداً يمكن أن نسأل: ما فائدة أي علم أو فكر إن لم تكن نتائجه عملية ويمكن إدراكها والاستفادة منها وتطبيقها على أرض الواقع؟
ينطبق هذا الأمر على الفلسفة، وغيرها من الميادين المعرفيّة والفكرية. ولكن لمّا كانت الفلسفة معنيّة أكثر من غيرها بعلم الموجودات بما هي موجودة، وفقاً لتعبير الفارابي، وكانت علم الأشياء بحقائقها الكلّية، تبعاً للكندي، وكانت التفكير في الموجودات على اعتبار أنّها مصنوعات بعبارة ابن رشد، وكانت مجموعة من المشكلات والمحاولات لحلّها، كما يعرّفها برندان ولسون، فإنّ أيّ شخصٍ منا قد لا يعرف الإجابة عن هذا السؤال المصيري. وهنا سنحتاج إلى نصائح الفلاسفة لنعرف ما إن كان علينا أن نختار سيارة رياضية أم أُسرية، ولماذا، وسبب هذا الاختيار، وتبعاته.
وتماماً كما فعل الفلاسفة سابقاً وقدّموا لنا العديد من الأفكار والحلول التي ساعدتنا على تجاوز مِحن الأزمنة وأزماتها، اليوم مع تغيّر العصر، وفي ظل تبدّل متطلّبات الحياة، وأسئلة الإنسان، وطبيعة علاقته مع الأشياء، ومع نفسه، ومع الآخرين من حوله، يقتضي من الفلاسفة والمفكّرين أن يُعيدوا توجيه الفلسفة كي تواكب هذا المتغيّرات، أو كي تقدّم أجوبة وحلولاً عن التساؤلات المعاصرة التي تدخل في صميم حياة الإنسان اليومية والتي لا يتوقّف هذا العصر عن طرحها.
إحداث قطيعة مع جدّية الفلسفة ووضعها في مستوى اليومي
هذا ما يحاول الكاتب البريطاني ماركوس ويكس فعله في كتابه "ماذا سيفعل نيتشه... كيف سيحلّ الفلاسفة العُظماء مشاكلك اليومية" الصادرة ترجمته الإسبانية عن دار "لاروس"، إذ يُقرّب الفلسفة وأكثر من ثمانين فليسوفاً في الماضي والحاضر، من المشكلات اليومية التي يواجهها الإنسان المعاصر، عبر طرح أسئلة وقضايا معاصرة تلامس أي إنسان منّا في حياته اليومية. أسئلة من نوع: هل سيقدر شوبنهاور على أن يصلح قلبنا المكسور عاطفياً؟ وهل يُمكن لهيراقليطس أن يساعدنا لو سُرق منّا الهاتف الجوّال؟ وإن كنتُ في شكٍّ من أمري حول أيّة وجبة عشاء عليَّ أن أطلبها الليلة، فهل يُمكن أن يساعدني ديكارت؟
إنّها أسئلة كثيرة، وسؤال السيارة هو واحد من هذه الأسئلة التي يثيرها الكتاب وتمسّ حياتنا، وتستطيع الفلسفة، وفقاً للكاتب البريطاني، أن تُعطينا جواباً حاسماً عليه. لا شكّ في أن سؤال السيارة أو غيره، كما يقول الكاتب، ليس إلّا استعارةً للوصول إلى أفكارٍ ونتائج أخرى. فهو محاولة لوضع الفلسفة في سياق العصر الذي نعيش فيه. فنحن عند الإجابة عن سؤال السيارة نكون عند مفترق طريق، وعلينا أن نختار المسار. يمكننا ببساطة التفكير بطريقة تقليدية، أي التفكير في العمل والعائلة والإجازة الأُسرية، وعندها سيكون طريق السيارة العائلية هو الأمل. أو يُمكننا أن نختار شيئاً آخر. كأن نبحث عن المشاعر من خلال قبول التحدّيات الجديدة، لأننا نريد أن نقابل أناساً نلفت اهتمامهم وانتباههم وإعجابهم. هنا سيكون خيار السيّارة الرياضية وارداً وغير مستبعَدٍ.
يطرح الكاتب البريطاني هذه المعضلة الفلسفية المعاصرة على الفلاسفة، ومعه سنقرأ أنَّ سقراط، مثلاً، الذي كان لديه زوجة وثلاثة أطفال، سيتوجّه نحو سيارة العائلة، لكنه سيكون مهتمّاً بمعرفة المعضلة الحقيقية للحالة الإنسانية التي دفعت إلى مثل هذا السؤال. ولا شك في أنّه سينهال علينا بأسئلته لمعرفة ما إذا كنّا تتحدّث حقاً عن السيارات، أم نقصد شيئاً آخر؟ والجواب هو أن هناك شيئاً آخر لا محالة. سيجادلنا سقراط حتى يتوصّل إلى نتيجة، على الرغم من أنّنا إذا دخلنا في لعبته من خلال إعادة السؤال بشكل مثالي، "فيمكنه أن يعترف لنا بأن فكرة سيارة الأسرة كانت فكرة زوجته زنتيب".
كونفوشيوس، بدوره، سيُدافع دون شكّ عن خيار الأُسرة النفعية، لأنّ الأسرة وقيمها، بالنسبة له، هي أساس المجتمع، وبذلك خيار السيارة العائلية سيكون هو المثالي بالنسبة له.
في القطب المقابل، سيذهب نيتشه، دون تردّد، نحو السيّارة الرياضية. مع نيتشه سنعيش لحظة الجموح، حيث لا قواعد ولا أعراف. إنها لحظة المستحيل. هكذا عاش نيتشه حياته، بطريقة مماثلة، دون أن يقلق بشأن ما يقوله الناس عنه، دون روابط عائلية. دون قيود. لكن كان لديه سرّ، وأسلوب الحياة تلك، سيفرض عليه طريقة تفكير معيّنة. خياره سيكون السيّارة العائلية، لكن خطّته هي الثانية. خياره الأول هو من أجل المرأة التي كان يريدها منذ سنوات، لكنّها رفضت عُروض زواجه. لذلك سيختار السيّارة الرياضية بالقوّة، وسيأخذ على عاتقه، طيلة حياته، التغنّي بفوائدها، وإقناع العالَم كلّه بها، وغالباً سينجح بالأمر.
شوبنهاور واضح تماماً: سيجعلنا نشعر بخيبة أمل في أيٍّ من السيّارتين. في الواقع، سنصاب بخيبة أمل من السيارات كلّها. ومن كل شيء بشكل عام، لأنها وسائل ترفيه فارغة لا تجعل الحياة صالحة للعيش إلّا قليلاً. بالنسبة له "إذا تم إشباع كلّ رغبة بمجرّد ظهورها، فكيف سيشغل الإنسان حياته وكيف يقضي وقته؟"، حتى إنه سيجرُؤ على أن يقول لنا إن الحياة عربَة نقل تقودنا إلى مكان واحد لا غير: الموت.
أسئلة عن الهاتف الجوّال والسيارة ومشاكل العمل والفراغ
سيمون دي بوفوار، بوصفها سابقة لعصرها في كلّ شيء، ستكتب دراسة مثيرة للاهتمام في مسألة "السيّارات المجازية"، ومن المؤكّد أنها كانت ستمتلك السيّارتين، تبعاً لحالتها، وكانت ستخرج في جولة بالسيّارة الرياضية لاكتشاف الظواهر الحيوية دون تعقيدات أو حواجز اجتماعية. وفي الحالة الثانية، ستكون متّفقة مع سارتر، إذ ليس هناك أفضل من سيّارة مركونة في كراج البيت لحالات الطوارئ التي قد تحدث.
حالة أُخرى غريبة هي حالة روسو، الذي كان بارزاً حقّاً في مقولة "افعل ما أقول، ولكن ليس كما أفعل"، لأنّ ما فعله هو أنه كان لديه خمسة أطفال تركهم ليكتب رسالة في التربية، وهذا معناه أنّه عندما كان كلّ شيء يشير من حيث المبدأ إلى السيّارة العائلية، حدث أمر وجعله، على غرار تركه أطفاله والذهاب لكتابة رسالة في التربية، يُغيّر رأيه ويختار السيارة الرياضية ذات المقعد الواحد.
وهكذا، عبر أسئلة معاصرة عن الهاتف الجوّال، أو عن السيارة، أو وجبة العشاء، أو الغداء، أو مشاكل العمل أو وقت الفراغ، أو حتى عن الشعور بالذنب أثناء العبور أمام متسوّل، إضافة إلى العديد من المسائل الأُخرى، يجول الكاتب البريطاني في أفكار الفلاسفة ويعرض مناهجهم في محاولة منه للبحث عن معنى جديد للفلسفة خارج الكتب الكلاسيكية والأفكار التنظيرية. إنها محاولة لإحداث تقاطع بين الفلسفة والجوانب الحيوية والواقعية والحميمية من حياتنا، وهي في الوقت نفسه محاولة لإحداث قطيعة مع الفكرة القديمة لجدّية الفلسفة وبالتالي وضعها في مستوى الحياة المعاصرة.