ساد خلال الفترة الممتدّة منذ نهايات القرن التاسع عشر وحتى مطلع القرن العشرين اتجاهان في كتابة التاريخ الإسلامي؛ الأول تأثّر بدراسات مستشرقين أعادوا تحقيق ونشر العديد من المؤلّفات التراثية، والثاني مزج بين السرد القصصي والتأريخ دون تبنّي أدوات بحث علمية.
بدت محاولات الشيخ محمد الخضري بك (1872 – 1927) مغايرةً في محاولة وقوفه على مروحة واسعة من المصادر، وإبدائه الملاحظات حول قضايا شائكة في التاريخ الإسلامي، وإلمامه الواسع بالشعر والأدب والتشريع والحياة الاجتماعية في مختلف العصور، لكن مؤلّفاته ظلّت مثار نقدٍ لعدم التزامها بمنهجية محدّدة.
عن "الدار المصرية اللبنانية"، صدرت طبعة جديدة من كتابه "محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية: الدولة الأموية" بتحقيق محمد إبراهيم أحمد، والذي يضمّ أربعين محاضرة، تناول فيها جزيرة العرب ووصفها الجغرافي وأحوالها الاجتماعية ومسألة القيادة وتوحّد قريش، والعصر النبوي والمعارك الإسلامية وصولاً إلى العهد الأموي، محلّلاً فترة التأسيس زمن معاوية بن أبي سفيان التي امتدّت حوالي عشرين عاماً وتركت تأثيرها البالغ في السياسة وإدارة شؤون الحكم لكلّ من جاؤوا بعده.
يضمّ الكتاب أربعين محاضرة، تضيء السياسة والمجتمع منذ ما قبل الإسلام وحتى سقوط الأمويين
في عشرينيات القرن الماضي، أسندت إدارة الجامعة المصرية تدريس مادة التاريخ الإسلامي إلى المؤرخ جرجي زيدان، ما تسبّب في موجة من الاستنكار في أوساط المثقفين، لما عرف عنه من انحياز لكثير من المقولات الاستشراقية، فاضطرت الجامعة لتنحيته والاستعانة بالخضري الذي واظب على إلقاء عدد من المحاضرات.
جُمعت محاضراته لأول مرة عام 1927، وصدرت تحت عنوان "تاريخ الأمم الإسلامية" عن "المكتبة التجارية الكبرى" في القاهرة، ثم توالت الطبعات والإصدارات له بعد ذلك، بحسب محقّق الكتاب، دون بذل أي جهد علمي لتحقيقه أو التعليق عليه، رغم غزارة المادة التاريخية التي يشتمل عليها.
في المحاضرات السبع الأولى، ركّز الخضري على واقع شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، والأحوال الاجتماعية والسياسية فيها، وظهور الممالك في مناطق منها، والأديان التي اتبعها العرب آنذاك وحضور الكتابة والتدوين والعلوم في حياتهم، ثم خصّص عشر محاضرات تالية للحديث عن العصر النبوي، مهتماً بالجانب التشريعي ومقاصده طوال تلك الفترة مضيئاً قضايا تتعلّق بالاسترقاق وأسر الحرب.
يتناول الكتاب أيضاً عصر الخلفاء الراشدين وما تخلّله من أحداث سياسية أهمّها حروب الردّة والفتوحات الإسلامية والفتن، وصولاً إلى عهد بني أمية الذي فصّل فيه الأحوال الداخلية للدولة والحركات السياسية المعارضة التي ظهرت في تلك الفترة، كما بيّن أسباب سقوط الدولة والعوامل التي أدت إلى هذا السقوط.
اعتمد الخضري على مراجع ومصادر متعدّدة، مهتماً في كتابته للتاريخ بحضور الأحداث السياسية والحروب في نماذج عديدة من الشعر العربي، وكذلك قراءة وتحليله لنصوص المعاهدات والاتفاقيات التي أبرمت بين المسلمين وغيرهم، في مختلف العصور، والرسائل والمكاتبات بين القادة والخلفاء في كثير من الموضوعات، فضلاً عن خطب بعض الخلفاء والأمراء والقواد.