"من الفعالية الرمزية إلى نظرية العنف الرمزي: أسئلة الأبعاد والحدود" عنوان المحاضرة التي نظّمها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" ظهر أمس الأربعاء عن بعد، وقدّمها الباحث المغربي محمد فاوبار الذي ناقش علاقة العنف بالرمز وكيفية تأثير الرموز والبنيات الرمزية بالجماعات والأفراد.
استهل المحاضِر حديثه بالإشارة إلى أن تناول بالمسألة الرمزية عربياً محدود، ويكاد الاهتمام يتركّز على الترجمات، ولذلك تأتي مساهمته في محاولة للوقوف عند إشكالية الأسئلة الكبرى التي طُرحت في هذا المجال، وخاصة حينما نتصوّر أن النظرية الرمزية اعتمدت فقط على تناول البنية الرمزية، وهي جانب معين مثل الجانب الثقافي أو الديني، لكنها لم تصبح نظرية عرضانية بمعنى أنها تتناول جميع الحقول المجتمعية بالشكل الذي يجعلها نظرية حول المجتمع.
وأشار فاوبار إلى أن النظرية الرمزية لم تصبح أداة لتحليل المجتمع ككلّ إلا مع عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو الذي شكّل هذا المنعطف، مع تركيز على مناقشة الأثر في هذا التحوّل عبر مناقشة ظواهر مثل التربية والتعليم والعلاقة بين الجنسين ومسألة الدولة والسياسة.
ونبّه إلى أن مفهوم الفعالية الرمزية هو أحد المفاهيم الأساسية التي اعتمدها الفيلسوف كلوود ليفي ستروس في كتابه "الأنثروبولوجيا البنيوية"، وتعامل باعتبارها جملة الأدوات البلاغية الكلامية التي يمكن أن يستخدمها الفاعل للتأثير بالآخر، متسائلاً عن قوة/ سحر الكلمات والإيماءات ودور التعويذة في علاج أمراض الروح والجسد بدون التقاء جسدي.
لا يفهم الرمز إلا داخل الثقافة التي تعدّ مجموعة من الأنساق والتعبيرات والسلوكيات الرمزية
وبيّن ستروس هنا، بحسب فاوبار، الدور الذي تؤديه اللغة حين تنتقل من التعبير اللفظي إلى التعبير الرمزي، ويتحقق ذلك حين تلتقي الذوات للتخاطب ضمن النسق الثقافي نفسه، حيث تُجنَّد الأسطورة ومعالم الجسد من أجل أن يصبح للرموز قوة سحرية تتغيّر بموجبها حالة الإنسان، وبالتالي يتمّ إظهار استعدادات المريض بنزوعه الأسطوري الذاتي، فيما يتجه الكاهن نحو التعويذة باعتماد الكلام الرمزي الذي يخاطب به المريض.
ولفت إلى أن مفهوم الرمز في اللغة العربية يحيل على الإشارة والإيحاء، وعلى الكلام الصامت، وبالتالي نجد في الثقافة العربية أن هناك جانباً خفياً في التبادلات الاجتماعية والتواصل اللغوي يعتمد على الإيماء بأطراف الجسد، وليس فقط في التعبير اللفظي، مع تمييز بين الإشارة التي تدلّ على شيء مادي ثابت، والرمز الذي يدلّ على المعنى، لغرض إيضاح الفهم وتبيين الأبعاد في مجال دراسة الرمز والرمزية وتشغيل الرمز في مجالَي الخطاب والمجتمع.
وأكد أن الرمز لا يفهم إلا داخل الثقافة، وخاصة من منظور سوسيولوجي، إذ إن الثقافة تعدّ مجموعة من الأنساق والتعبيرات والسلوكيات الرمزية، تتولّد من خلال النشاط الاجتماعي واللغوي للأفراد والجماعات ضمن سياقات تاريخية واجتماعية، ومن ثم يعد الرمز واسطة للتعبير عن القيم بواسطة الإيحاء أو التمثيل، وملفوظاً وصفياً سردياً، بل هو مناسبة لإنتاج التأويلات، وتكمن خاصية الرمز السلبية بحسب بول ريكور في كونه يندرج ضمن اللغة ويتجاوزها في آن واحد، نظراً لتعلّقه وإشكالية المجاز والتأويل.
وأضاف: "هكذا، وبمجرّد إشراك الحجة المرجعية، ينطلق المسلسل التأويلي ويعتمد مبدأ الدافع، لذلك يُعَدّ الرمز منتجاً للمعنى لأنه يقتضي علاقة تماثلية مع العلامة التي يحيل عليها"، مبيناً أن وظيفته مجازية استعارية، وهو "كلّ موضوع يعبّر عنه بالألفاظ، بواسطته يقترن المجتمع (المرجع) بما يرمز إليه، وهو تجلٍّ اجتماعي يتعاقد حول معناه أفراد الجماعة، وبذلك تغدو وظيفته خلق الرابطة الاجتماعية ونقلها عبر الأجيال"، وأن الوظيفة الرمزية تعدّ مصدراً لكل الأشكال الممكنة للمدلولات التي تتيح للبشر التدليل على ما يفكرون فيه وما يفعلونه، وفي ما لا يفكرون فيه وما لا يفعلون.
ورأى فاوبار أن "العنف الرمزي يظهر في مجال التربية والتعليم عند التنصيص على الفعل البيداغوجي ذاته على أنه عنف رمزي من منظور أن علاقات القوة بين الجماعات والطبقات المكونة لتشكيلة اجتماعية ما، هي أساس السلطان الاعتباطي بما هو شرط تشييد تواصل بيداغوجي"، موضحاً أن الفعل البيداغوجي المدرسي يعيد إنتاج الثقافة المهيمنة، مساهماً بذلك في إعادة إنتاج علاقات القوة في تشكيلة اجتماعية يتجه فيها النظام التعليمي نحو احتكار ضمان العنف الرمزي الشرعي.