رغم مرور قرابة ثلاثة وعشرين عاماً على اغتياله، لا يزالُ معطوب الونّاس (24 كانون الثاني/ يناير 1956 - 24 حزيران/ يونيو 1998) حاضراً في الجزائر كأنه لم يغب عنها قَط، ليس فقط بأغانيه ومواقفه التي ألهمت أجيالاً مِن الجزائريّين الذين قاسموه الإيمان بالثقافة الأمازيغية وأحلامَ دولةٍ عصرية وديمقراطية وتعدُّدية، بل أيضاً مِن خلال جدالاتٍ عادةً ما تطغى عليها مسألة الهوية، وهي جدالاتٌ لا تكاد تختفي حتى تعود بشكلٍ أكثر حدّةً، كما حدث بعد الحَراك الشعبي ولا يزال مستمرّاً إلى اليوم، وكان مِن مظاهره تعبير عددٍ غير قليل من الجزائريّين، ومن بينهم سياسيّون ومثقّفون، عن رفضهم للمادّة الرابعة في الدستور الجزائري المعدَّل في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، والتي ينصُّ فصلها الأوّل على أنّ "اللغة الأمازيغية هي لغة وطنية ورسمية".
آخر تلك الجدالات أثاره شريف ملّال، رئيسُ فريق "شبيبة القبائل" في تيزي وزّو، مسقط رأس الفنّان الجزائري الذي تمرُّ ذكرى ميلاده اليوم؛ حين صرّح للإذاعة الجزائرية، في كانون الأوّل/ ديسمبر الماضي، بأنَّ ملعب المدينة، الذي انطلقت أشغالُ بنائه قبل عشر سنواتٍ ولم تنته بعدُ، سيحملُ اسمَ معطوب الونّاس.
كان متوقّعاً أن يُثير هذا الحديثُ بعض الاعتراضات؛ إذْ ليسَ معتاداً إطلاقُ أسماء فنّانين على ملاعب كرة القدم في الجزائر، بل جرت العادةُ أنْ تحمل أسماءَ شخصياتٍ وطنية أو تواريخ تُحيل إلى أحداث ومحطّاتٍ مرتبطةٍ بالثورة التحريرية. هكذا، سيقترح بعضُهم أنْ يحمل الملعب الجديدُ أسماء شخصياتٍ تاريخية مِن منطقة القبائل؛ مثل كريم بلقاسم أو حسين آيت أحمد، أو شخصياتٍ رياضية مثل محند شريف حناشي، رئيسِ "الشبيبة" الراحل، والذي يُنسب إليه فضل إقناع السلطات ببناء الملعب، بينما يرى المؤيّدون أنَّ معطوب ليس مجرّد شخصية فنية، بل هو أكثر مِن ذلك: رمزٌ وطني.
تعرَّض ضريحه إلى محاولة تخريب قبل أسابيع قليلة
سيكون حضور اسم معطوب الونّاس كافياً لتحويل الموضوع إلى مادّةٍ للتجاذُبات الهوياتية بينَ المتمسّكين بالهوية والثقافة الأمازيغيّتَين والمُعادين لهما، وجزءٌ غير قليل مِن الفريق الثاني لا يُخفون كراهيتهم للفنّان الراحل الذي يَعتبرونه "مُعادياً للإسلام واللغة العربية".
وهذه النظرة لا تَظهر في خطابات الكراهية المنتشرة عبر مواقع التواصُل الاجتماعي فحسب، بل تمتدُّ إلى أبعد مِن ذلك؛ ففي مطلع الشهر الماضي، تعرَّض ضريحُ الفنّان الراحل في قرية تاوريرث موسى إلى محاولة تخريب استخدم مرتكبُها مطرقةً وإزميلاً، دون أنْ يُلحق أضراراً به، باستثناء إزالة بعض الأحرف الأمازيغية عن القبر، حسب ما ذكرته "مؤسّسة معطوب الونّاس" التي قالت إنَّ المحاولة تأتي بعد فترةٍ قصيرة من ترميم الضريح وتوسيعه.
هكذا، سيبدو أنَّ السبب الحقيقيَّ للاعتراض على التسمية هو معطوب نفسُه وليس إطلاق "اسمٍ فنّي" على منشأة رياضية. سنتذكَّرُ هنا إطلاقَ اسم مُطرب المالوف الراحل، محمد الطاهر الفرقاني (1928 - 2016)، على مبنى المسرح في قسنطينة في 2017؛ حيثُ أثار ذلك بعض الاعتراضات، لكنّها اقتصرت على مسرحيّي المدينة الذين قاموا بوقفة احتجاجية طالبوا فيها بإعطاء المبنى اسمَ أحد وجوه قسنطينة المسرحية، ولم يأخذ الأمرُ أية أصداء على مواقع التواصُل الاجتماعي.
ويُذكّرنا جدلُ اسم ملعب تيزي وزّو بجدلٍ مُشابهٍ أُثير على مواقع التواصل الاجتماعي حول اسم "مسجد الجزائر"؛ حيث أطلق بعضُهم حملاتٍ على مواقع التواصُل الاجتماعي للمطالب بأن يحمل اسم عقبة بن نافع الذي قاد الجيوش الإسلامية إلى الجزائر في القرن السابع الميلادي، مُعتبرين أنَّ ذلك سيكون "تأكيداً للهوية الإسلامية والعربية للجزائر"، بينما رأى آخرون في الدعوة لإطلاق اسم "غازٍ" على المبنى استفزازاً لهم. وقد انتهى الجدل بعد أن حسم المسؤولون الأمر بأن اختاروا اسم "مسجد الجزائر" عشية افتتاحه في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.