- "موسوعة الفنانين التشكيليين الفلسطينيين" بقلم منذر جوابرة، تهدف لدراسة وتوثيق الفن الفلسطيني، مع التركيز على عرض الأعمال في سياقها التاريخي والثقافي للحفاظ على المنجز الثقافي.
- تواجه جهود توثيق الفن الفلسطيني تحديات بسبب فقدان الأعمال نتيجة الصراعات، مع التأكيد على أهمية رقمنة التراث الفني للحفاظ عليه وجعله متاحًا للعامة.
تركت النكبة التأثير الأبرز في تشكّل الفنّ الفلسطيني المعاصر الذي كرّسته تجارب مجموعة من الفنّانين في بلدان لُجوئهم سعَت إلى تمثُّل المكان المفقود وتُراثه، ضمن سياق سياسي واجتماعي وثقافي أوسع همُّه الأول تثبيت هويّة وطنية، تبلورت في مرحلة لاحقة بتعبيرات رمزية وأيقونية تكثّف سيرة الجماعة الفلسطينية وحلم الوطن.
انعطافةٌ أساسية قادت إلى دراسة جذور هذا الفنّ الأقدم، سواء على مستوى تأصيل حداثته التي تعود إلى نهاية القرن التاسع عشر، أو مسار تطوُّره على مستوى الشكل والمضمون، في العديد من الدراسات والمؤلّفات، وآخرها "موسوعة الفنانِين التشكيليّين الفلسطينيِّين 1863 - 1990"، التي صدر جزؤها الأول عن وزارة الثقافة الفلسطينية، بإعداد وتقديم الفنّان التشكيلي الفلسطيني منذر جوابرة.
كما قدّم لها الروائي عاطف أبو سيف، وزير الثقافة السابق، الذي بيّن أنّ الموسوعة "ركّزت على عرض الأعمال الفنّية التي تتشكّل وتتجسّد من خلال اللوحة، على أمل أن تقوم الوزارة في إصدارات لاحقة بالتركيز على أشكال الفنّ التشكيلي المختلفة، حيث تهدف هذه الموسوعة للحفاظ على المنجز المعرفي والثقافي الفلسطيني، وتقديمه للأجيال اللاحقة من منظور عام وشامل، ضمن التطوير الطبيعي للحياة في فلسطين ولقضية شعبنا الأساسية".
اعتمدت الموسوعة على كتاب "استحضار المكان" لكمال بُلّاطه
في حديثه لـ"العربي الجديد"، أشار جوابرة إلى أنّ الوزارة قرّرت إعداد كتاب عن الفنّانِين الفلسطينيّين خلال فترة جائحة كورونا ضمن اهتمامها بتوثيق الفنّ والمسرح والسينما في فلسطين، وعقدت نقاشات عدّة كشفت عن عدم وضوح الاستراتيجية وخطّة العمل، إلى أن اعتمد في النهاية على كتاب "استحضار المكان: دراسة في الفنّ التشكيلي الفلسطيني المعاصر" للفنّان والناقد والمؤرّخ الفنّي كمال بُلّاطه، بغية استعراض نشأة الفنّ الفلسطيني الحديث بشكل عام.
ونبّه إلى أنّ الفكرة الأساسية للكتاب الذي أُنجز خلال أربعة أشهر فقط، تمثّلت بجَمْع المعلومات حول الفنّانين الروّاد من خلال فريق عمل، بالوصول إلى الفنّان أو إلى ذوي الفنّانين الراحلين، للحصول على معلومات دقيقة تكتسب المصداقية، مستدركاً أن "جزءاً من الفنّانين لم يستجيبوا للدراسة لأسباب مختلفة، لذلك لم تُضمَّن تجاربهم في الكتاب، فاضطررنا لعدم نشر معلومة عن أي فنّان دون موافقته، أو موافقة ورثته".
كما أوضح جوابرة أنه اقترح على الوزارة أن يجمع المعلومات وينقّحها لنشرها في سلسلة "فنّان الشهر" ليُنظّم حواراً حوله، وليُعَدَّ كلّ عام كتابٌ يتناول تجارب اثني عشر فنّاناً، إلّا أن المشروع رُفض لأنه يستغرق وقتاً أطول، وتمّ نَشْر الكتاب على هيئته الحالية، دون أن يغفل أن "الكتاب يعدّ خطوة جيدة لأنه استعاد معظم الفنّانين الفلسطينيّين، الموجودين في فلسطين التاريخية والشتات، ولكنّه يحتاج إلى استكمال الفنّانين الذين لم تشملهم عملية التوثيق، على اختلاف مستوياتهم وطبيعة تجاربهم، مع التذكير بأن هناك مؤلّفات سابقة في هذا السياق، ومنها 'موسوعة الفنّ التشكيلي الفلسطيني في القرن العشرين: قراءات توثيقية تاريخية نقدية' للشاعر عز الدين المناصرة، لكن الموسوعة الحالية أشمل من ناحية عدد الفنّانين وتنوّعهم".
وضمّ الكتاب أكثر من ثلاثمئة فنّان، اعتمد تقديم كلّ واحد منهم على أربعة محاور؛ نبذة صغيرة عن الفنّان، ونبذة عن أسلوبه والمواضيع التي تناولها، ونبذة مقتطفة عن أبرز المعارض الفردية التي أقامها، والجماعية التي شارك فيها، والجوائز التي حصل عليها بعض الفنانين، مع نشْر مجموعة من أعمال كلّ فنّان.
فُقدت أعمال العديد من الفنانين الفلسطينيين منذ النكبة
ولفت جوابرة إلى أنه بالعودة إلى الأرشيف ودراساتٍ سابقة، يظهر أنّ هناك العديد من أعمال الفنّانين الفلسطينيّين قد اختفت؛ منها لوحات ضاعت أو سرقتها العصابات الصهيونية سنة 1948، وفي الأردن بعد أحداث أيلول/ سبتمبر عام 1970، كما صادر الاحتلال الإسرائيلي أعمالاً فنّية من "غاليري 79" في رام الله بعد إغلاقه سنة 1981، وتكرّر الأمر خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982، وفي غزّة أيضاً تعرّض أحد المعارض للحرق بالكامل في قاعة "جمعية الهلال الأحمر" عام 1979، بالإضافة إلى لوحات ضاعت خلال مشاركة "منظّمة التحرير الفلسطينية" في معارض دولية، وفُقدت كذلك أعمال بعد إنشاء وزارة الثقافة الفلسطينية.
وأضاف: "في ظلّ ضياع الأعمال الفنّية ومنها أعمال أُبيدت خلال العدوان الإسرائيلي على غزّة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، فإن مثل هذا الكتاب يُساهم في حفظ التراث الفني الفلسطيني ومن خلال رقمنته يصبح متاحاً للجميع".
يُذكر أن الجزء الأول من الموسوعة صدر في مجلّدين، وكان هناك توجّه لترجمته إلى اللغة الإنكليزية، ويمكن أن يتطوّر بحيث يتم استكمال الموسوعة في مرحلة ما بعد عام 1990، خلال الفترة المقبلة.