في حياته القصيرة التي لم تتجاوز ستّة وثلاثين عاماً، ألّف ميكالويوس كونستانتيناس تشيورليونيس قرابة أربعمئة قطعة موسيقية وكتب العديد من القصائد، لكن بعد عامٍ واحد من رحيله أُقيم أول معرض تضمّن رسوماته التي تركت تأثيراً كبيراً على التجريد في القارّة الأوروبية.
استطاع الفنّان والمؤلّف الموسيقي الليتواني (1875 - 1911)، توظيف الإرث الصوفي المسيحي من القرون الوسطى في الفن والموسيقى، ليساهم في النهضة الثقافية لبلاده في العصر الحديث، رغم أنه لم يتمكن من تعلّم الليتوانية إلا عام 1907 بسبب تحدره من أصول بولندية.
"م. ك. تشيورليونيس: بين عالمين"، عنوان المعرض الذي يفتتح مساء الأربعاء، الحادي والعشرين من الشهر الجاري، في "غاليري دولويتش للصورة" بلندن ويتواصل حتى التاسع عشر من آذار/ مارس المقبل، ويضمّ حوالي مئة من أعماله الفنّية.
يضيء المعرض محاولات الفنان تقديم رسومات تمتزج فيها أساطير الشمال الأوروبي بلغة واقعية، ومنها سلسلة "إنشاء العالم" التي نفّذها بين عاميْ 1905 و1907، ويُبرز فيها رؤيته لقصّة الخلق، ومنها لوحات "سوناتا الربيع" و"سوناتا الأهرامات" و"سوناتا الثعبان"، وسلسلة "شتاء" التي تشمل ثماني لوحات قدّمها عام 1907 وتمثّل بدايات نزوعه نحو التجريد.
حاول تشيورليونيس تقديم رؤيته للموسيقى في اللوحة من خلال رسمه الأشجار وهي على وشك التحرّك وكأنها تُحدث حفيفاً، وتبدو وكأنها خيوط قيثارة بين الغيوم التي تشبه حركة اليدين على الآلة الموسيقية، وفي لوحة ثانية موضوعها الشمس تتكرّر الزخارف وكأنها أجزاء من النوتة الموسيقية، فتجعل المتلقّي يعيد النظر من أسفل اللوحة إلى أعلاها عدّة مرات.
في رسوماته التي نفّذها في بداية القرن العشرين، تركّز اهتمامه على الطبيعة والكون المفعمين بالحيوية؛ أشعة الشمس بتموّجاتها على سطح اللوحة، كما يمكن رؤية الفراشات تطير إلى أعلى، أو النجوم والأقمار تشعّ في السماء، وقد نشاهد أكثر من شمس في العمل الواحد.
بعد ذلك، ذهب تشيورليونيس إلى لغة بصرية أكثر تعقيداً في السنوات التي سبقت رحيله، حيث صوّر عوالم مكثّفة من الألوان والخط، معتمداً أكثر على عناصر موسيقية بدت علامات رمزية مختزلة لا تجسّد مناظر معيّنة من الطبيعة.
وسيتمكّن زوّار المعرض من الاستماع إلى بعض المؤلّفات الموسيقية للفنان، ومنها أعمال أوركسترالية، مثل "سميفونية في الغابة والبحر" و"خلق العالم"، وبعض الوتريات الرباعية وأعمال الأرغن ومجموعة من الأغاني الشعبية التي تحاكي التراث الليتواني.