مِن أينَ لطائرِ الرَّفراف أبيضِ الصّدر هذه الشّجاعة في حمْلِ سماء توركيزيّة على ظهره؟
ألا يخشى الغرق؟
كحبّ قاسٍ يمتاز بحِدَّة بصره
يقف على مكانٍ مُطِلٍّ مُرتفعٍ كغصنِ شجرةٍ
أو عمودٍ كهربائيٍّ
أو صدفةٍ عابرة
وبعد تحديد مكانِ فريستِه ينقضُّ عليها بضربةٍ خاطفة
أسمع صوتَه الآن وهو يشحذُ منقارَه على مِسَنِّ الغروب
الغروب ذاته الذي باغَت النَّورس بطعنةٍ في ذيله الطويل وهو في طريقه إلى سمائِه المائيّة
فأوى إلى السُّفن المهجورة في خليج حيفا
أنا أيضاً أذهبُ أحياناً إلى هُناك لألتقي بالفتى الذي كنتُه
ولأرى كيف تتعبُ فكرة الحُرّية دون أن تشيخ:
سفنٌ مُسيّجة لم تعُد قادرة على اللّحاق بالبحر
سفنٌ طُردت من البحر كرجالٍ طُردوا من الحبّ لفَرْط ما خانوا عواصفَهم
أو كطيورٍ فقدَت القدرة على الطيران لخَللٍ في خَيالها أو في تطوُّرها العاطفيّ
فوق السياج زبَدٌ تخثّر وملحٌ
وريشٌ منتوف لطيورٍ نَجَتْ من كمين السّعادة وحلّقت من جديد
تحت السّياج نهرٌ وحيد
نهرٌ بمياهٍ مُقطّعةٍ كأوردةٍ عجيبةٍ لا تجفّ مهما نزفَتْ
بل تشدُّ البلاد الجريحة إلى البحر
ثمّ تتركُها ترفرف كطيور أسطوريّة تحمل الأرض على ظهرها ولا تغرق أبداً.
* شاعر واختصاصي نفسي عِيادي من فلسطين