في كتابه "الإبادة الجماعية: تاريخ العالم" الذي صدر عن "منشورات جامعة أكسفورد"، يرى الباحث الأميركي نورمان م. نيمارك أن تاريخ الإبادة الجماعية من العصور القديمة إلى العصر الحديث، يشكّل حلقات وثيقة الصلة ببعضها في ديناميتها المتمحورة حول القضاء على مجموعة بشرية معينة.
ويفرّق بين الإبادة الجماعية والحرب، فالأولى تقوم على القتل المتعمّد وإفناء الآخر، بينما الثانية تفترض غلبَة جماعة على أُخرى وقهرها فقط، مناقشاً أمثلة عديدة منها الإبادة الجماعية في قرطاج عام 146 قبل الميلاد، ومذبحة يوكي في كاليفورنيا في منتصف القرن التاسع عشر حين أقدمت السلطات على قتل السكّان الأصليين، وكذلك الإبادة الجماعية في رواندا في التسعينيات، وغيرها.
عن "دار المأمون للترجمة والنشر"، صدرت حديثاً النسخة العربية من الكتاب بترجمة أحمد باسم السعدون، الذي يشير في مقدّمته إلى أن "هذا الحقل يمثّل حاجة فعلية لمجتمعاتنا العربية بينما أغفلناه طويلاً حتى يكاد الحديث عنه مفقوداً في الثقافة العربية، في الوقت الذي نجد آلاف الكتب والمقالات الصادرة بلغاتٍ أجنبية تتناوله، ومئات المؤسسات التي تُعنى بوصف الإبادة الجماعية ودراستها".
ويشرح الكتاب التوافق حول مصطلح الإبادة الجماعية باعتباره يدلُّ على جرائم القتل الجماعي المرتكبة بحقّ مجموعات معينة من البشر بقصد تدمير وجودهم كُلّياً، وبفضل الجهود الحثيثة أقرّت الأمم المتحدة اتفاقية تقضي بمنع جرائم الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها وتوسّع مدلول هذا المصطلح ليشملَ كلّ عمل من أعمال قتل أعضاء من جماعة معيّنة أو نقل الأطفال بالإكراه من جماعة إلى أُخرى.
ويستعرض نيمارك نصوصاً من العهد القديم تتضمّن دعوات للقتل الجماعي، كما يحلّل حرب طروادة بوصفها النموذج الأبرز على الإبادة الجماعية في العصور القديمة، وكذلك الحرب البيلوبونيسية التي اندلعت بين الشعوب اليونانية خلال القرن الخامس قبل الميلاد، وكراهية روما لقرطاج التي انتهت بتدمير الأخيرة.
يؤرّخ الكتاب حلقات العنف الجماعي المُمنهج استناداً إلى "أن طبيعة الإبادة الجماعية لها العديد من أوجه التشابه عبر الأزمنة، بأمر من الحكّام السياسيين الذين يتذرّعون بالأيديولوجيا والآلهة وما إلى ذلك من مسوّغات للقتل المتعمّد والشامل.
ويسرد نيمارك كيف قام المغول باستئصال شعوب بأكملها في ما يعرف الآن بأوزبكستان وإيران والمجر، وكيف طهّر الأوروبيون في حملاتهم الصليبية مناطق عديدة في العالم الإسلامي من سكّانها، حيث طبّقوا دعوات البابا أوربان الثاني، على وجه التحديد، بإبادة ما أطلق عليه "العِرق الحقير"، ويفصّل في كتابه جرائم الاستعمار الأوروبي بدءاً من جرائم الإسبان والبرتغاليين في القرن الخامس عشر.