- وسائل التواصل الاجتماعي تساهم في تشويه صورة المثقفين من خلال تعميم صور ساخرة تركز على سلوكيات معينة، مما يعيق البحث عن الحقيقة ويشجع على قبول الصفات السلبية.
- الهجمات المستمرة على المثقفين تهدد بفقدان الثقة في الثقافة والقيم الإنسانية، مما يعرض بناء مجتمعات مستنيرة للخطر ويعكس حالة من اليأس والهزائم في المجتمع.
اللافت، في أيامنا، أنَّ الهجمات التي تتكرّر على المثقفين، تأتي من مصادر وجهات مختلفة ومتعارضة. تبدو الحملات أحياناً ممنهجة، وتظهر أحياناً أُخرى عشوائية. أمّا موقف السلطة، وخاصّةً تلك السلطات الشمولية، وكذلك الأحزاب ذات الأيديولوجيات الكليّة تجاه المثقّف، فهو مفهوم ضمن رغبة الاحتواء، ومنع التمرّد، أما غير المفهوم فهو أن يشنّ من يعتبرون أنفسهم بديلاً للسلطة والحزب الشمولي هجوماً على المثقف؟
أمرٌّ لافت للغاية أن يهاجم المعارضون المثقّفَ، أو يزجّوا به في شعاراتهم مُتّهماً، ويصدروا الحكم عليه هناك، دون محاكمة، أو استماع لأيّ دفاع، في شعارات علنيّة يرفعونها في المظاهرات. فأصحاب الشعارات، وهم غالباً من الثوريّين، أو من مدعي الثورية، يلغون المحاكم، ويؤجلون العدالة، حين يعتقدون أنَّ المعرفة التي يمتلكونها أوجزت في شعاراتهم، بعيداً عن المسؤولية الأخلاقية والفكرية التي تحتاجها لحظة الفعل.
عمّمت وسائل التواصل الاجتماعي صورة ساخرة عن المثقّف
وإذا كنّا اعتدنا في الفكر السياسي العربي انتقاد المثقّف، واستبعاده، أو استبعاد المثقّف النقدي بوجه خاص، فإنَّ غالبية السياسيّين، ممن يهاجمون المثقّف، يريدون إلقاء تبعات الهزائم التي لحقت بمشاريعهم السياسية، الصغيرة أو الكبيرة، على كاهل آخر لم تكن له يد في صناعتها، ولم يكن أحد يسمح له، أو ليده، أن تطاول مفاتيح العمل في تلك العمليات التي أودت بالسياسي إلى الهزيمة، بينما يعمد غيرهم من نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي إلى تعميم صورة ساخرة عن المثقّف تشمل: شرب القهوة السادة، وإطالة الشَّعر، وارتياد المقاهي والحانات.
تذهبُ السخرية إلى الأضعف، وهو عادة من يكون أكثر تمسّكاً بالطقوس (أي إلى تلك الفئة التي قد تتباهى بالثقافة، وهو أمر بسيط ومفهوم، ولا يسبّب ضرراً لأحد) والتقاليد، وتشوّه حضوره عبر تضخيم الأشكال التي يقدّمها، ومن خلال ذلك يمكن أن تنجح في تعميم النمط. والنمط عموماً، يمنع العقل والوجدان من البحث عن الحقيقة، ويغريه بقبول الصفات التي تُقدَّم على أنّها كلّية وجامعة وثابتة للمجموعة التي تكون موضوعاً للساخر، فمثقف واحد يعتاد، أو يدّعي الاعتياد على شرب القهوة سادة يمكن جعله أمثولة عامّة للسخرية تمثّل المثقفين كلّهم.
الخشية الأكبر أن يفقد الأفراد في المجتمع ثقتهم بالثقافة نفسها
ويعتبر تعميم النمط واحداً من أهم أنشطة الساخر، أو الهازئ، ويمكن هنا استخدام مفردة: "المُتَمسخِر" العامية الذي يستخدم السخرية لأغراض شخصية، وعمومية في الوقت نفسه. وتتضمّن نوعاً من الانتقام الشخصي من مثقفٍ ما، يغفل اسمه، ويفهم وضعه، بقدر ما تتضمّن أنواعاً من الزهو، أو النرجسية التي تتوسّل الإعجاب بالساخر عبر الاستعراض، والعجرفة، والتعالي على النمط الذي يجري سحقه.
يُخيل لي أنّ الجذر كلّه كامن في الهزائم المتلاحقة التي أفقدت أفراد المجتمع بوصلة الحركة، يعتقد الجميع أن مصلحتهم قائمة في حرب "الجميع على الجميع" والخشية الأكبر أن يفقد الأفراد في المجتمع ثقتهم بالثقافة نفسها، بل بالثقافة الوطنية بوجه خاص. والمثقف هو منتج الثقافة، حيث تستقر القيم الإنسانية والأخلاقية من جهة، وحيث لا تنحرف الأهداف، من السعي إلى بناء أوطان بثقافات متينة، إلى نهج استعراضي لا ينقذ أحداً بمن فيهم الناشط المتظارف صاحب أمثولات الضحك، أو السياسي ثقيل الظلّ، الذي يدّعي الهيمنة على الوجود، من جهة ثانية.
* روائي من سورية