تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أسئلة عن انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته قرّاءه. "أستوعب، على مهل، أنّ وجود الكائن البشريّ على الكوكب غير ضروريّ لاستمرار الحياة"، تقول الكاتبة والباحثة التونسية في لقائها مع "العربي الجديد".
■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
- أعيش هذه الأيّام في ظلّ الحجر الصحيّ لحظات سكونٍ جبريّ للتأمّل والاعتبار. أتفكّر في منزلة الإنسان الذي حَسب نفسه سيّد الطبيعة المطلق فأتاح له الوباء أن يستوعب حجمَه الحقيقيّ في النظام الكونيّ. أتأمّل الربيعَ إذ ينشر بساطَه على الأرض غير حافلٍ بمآسي البشريّة، والشمسَ إذ تحضن بدفئها الكائنات غير عابئة بأنّ ملايين البشر محبوسون طوعاً أو كرهاً خلف الشرفة. أستوعب، على مهل، أنّ وجود الكائن البشريّ على الكوكب غير ضروريّ لاستمرار الحياة.
■ ما آخر عمل صدر لك وما عملك القادم؟
- آخر ما صدر لي رواية "نازلة دار الأكابر"، وهي رواية تنافس على "الجائزة العالميّة للرواية العربيّة"؛ حيث أدركت القائمة القصيرة. أمّا عملي القادم، فنصّ روائيّ جديد أشتغل عليه حاليّاً، ويحتاج إلى بعض الوقت حتّى ينضج، ولي أيضاً بحث نظريّ تقدّمتُ فيه شوطاً مهمّاً ضمن مجال اختصاصي الأكاديميّ.
■ هل أنت راضية عن إنتاجك ولماذا؟
- الرضا نسبيّ بحسب السياقات الحافّة بالتلقّي. أكون راضية عن إنتاجي حين أتذكّر أنّ أعمالي الأكاديميّة لاقت التقدير، وأنّ روايتيَّ كلتَيهما توّجتا بجائزة. ولا أرضى تماماً حين أحدّث نفسي بأنّ ذاك المقطع في الرواية أو في البحث كان يكون أفضل لو جاء على صورة أُخرى، وهذا خبز يوميّ يعرفه كلّ الكتّاب وفي كلّ الأزمنة.
■ لو قيض لك البدء من جديد، فأي مسار كنت ستختارين؟
- أختار بلا تردّد المسار نفسه: مدرّسة في الجامعة مختصّة في اللسانيّات العربيّة تبحث في علم الدلالة العرفانيّ، وتترجم النصوص المختصّة وتكتب الرواية من حين إلى حين، ولا تنسى مع ذلك، وفي خضمّ ذلك، تقديس الروابط الأسريّة والإقبالَ على مباهج الحياة.
■ ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟
- لا أنتظر الآن شيئاً بقدر انتظاري أن تنحسر هذه الجائحة ويعود للعالم وجهه الطبيعيّ. أنتظر بعد ذلك أن يُرفع البلاء عن تونس وأن يمسك بمقاليد الدولة رجال ونساء يؤمنون بالديمقراطيّة والحريّات ويحسنون تحديد الأولويّات، ثمّ تكون لهم الكفاءة اللازمة للاضطلاع بمقتضيات هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا الوطنيّ.
■ شخصية من الماضي تودين لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- أودّ لو لقيتُ رضيّ الدين الاستراباذيّ. قلّة من يعرفون هذا الاسم. هو نحويّ عاش في القرن السابع للهجرة كتب "شرح الكافية" و"شرح الشافية"، وهما في تقديري من أبدع ما وصلنا من كتبِ التراث النحويّ العربيّ. والرضيّ شخصيّة بارعة الذكاء، لها تخريجات طريفة وجرأة على مخالفة الإجماع. أودّ لو لقيته حتّى يكون بيننا نقاش ومودّة.
■ صديق/ة يخطر على بالك أو كتاب تعودين إليه دائماً؟
- أصدقاء كثر يخطرون على بالي، بعضهم أكاد ألقاه يوميّاً وبعضهم فرّقتني عنه ظروف العمل. أمّا الكتاب الذي أعود إليه دائماً فهو "رسائل إخوان الصفا" وعمل الكاتب النرويجيّ جوستاين غاردر، "عالم صوفي"، لتيسيره الفلسفة. هذان الكتابان على طاولة السرير دوماً، أراوح بينهما ولا أملّ منهما.
■ ماذا تقرئين الآن؟
- من عادتي أن أقرأ كتباً عديدة في الوقت نفسه. وفي المدّة الأخيرة انخرطتُ في مجموعة قراءة تونسيّة على فيسبوك تُسمَّى "حوّاء والكلمات"، وكلّ شهر نحدّد في المجموعة قراءة جماعيّة بالعربيّة وبالفرنسيّة ثمّ نتناقش حولها. حاليّاً قراءتنا الجماعيّة بالعربيّة هي رواية إبراهيم نصر الله "دبّابة تحت شجرة الميلاد"، وبالفرنسيّة رواية الكاتب التونسيّ يامن المنّاعي "L’amas ardent".
■ ماذا تسمعين الآن، وهل تقترحين علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
- أسمع ما تلقيه بين يديّ الصدفة. أحبّ أنواعاً موسيقيّة مختلفة وأنا منفتحة على التجارب القديمة والجديدة بالحماسة نفسها. يندرُ أن أطلب لحناً بعينه على يوتيوب، وإذا طلبت فمهجتي تميلُ إلى أمّ كلثوم وفريد وأندريا بوتشيلي. أمّا إذا أحببتم أن تشاركوني أغنية أحبّها، وهي ليست معروفة، فأدعوكم إلى تذوّق "واقف على البلّار" لشابّ تونسيّ مبدع يسمّي نفسه "سي المهفّ".
بطاقة
كاتبة وباحثة في اللسانيات من مواليد سوسة عام 1978. أكاديمياً، صدر لها كتاب في اللسانيّات العرفانيّة بعنوان "المزج التصوّريّ: النظريّة وتطبيقاتها في العربيّة" ومجموعة مقالات في مجلّات علميّة محكّمة. كما ترجمت "الأعمال اللغوية: بحث في فلسفة اللغة" لـ جون سورل. وأدبياً، لها روايتان: "الملف الأصفر" (2019)، و"نازلة دار الأكابر" (2020) التي حازت "جائزة الكومار" في تونس، وهي الآن ضمن القائمة القصيرة لـ"الجائزة العالمية للرواية العربية".