بعد عشر سنوات على إصدار أول عمل روائي لها، "جسد ومدينة"، تعتبر اليوم زهور كرام أحد أنشط الأسماء في الساحة الأدبية المغربية؛ إذ تشارك في تحكيم مجموعة من مسابقات الرواية في الوطن العربي، إضافة إلى دورها الأكاديمي.
كل ذلك من دون أن نُغفل الجانب الأهم لديها، وهو الكتابة التي حقّقت فيها تراكماً يزاوج بين الإبداع والنقد مع اهتمام كبير بالكتابة النسائية من خلال مؤلفاتها "السرد النسائي العربي: مقاربة في المفهوم" و"ببلوغرافيا المبدعات العربيات" بالاشتراك مع محمد قاسمي و"السرد النسائي العربي: مقاربة في المفهوم والخطاب".
اهتمامها اللافت بالكتابة النسائية، كان مدخلاً إلى حديثها مع "العربي الجديد"، تقول عن ظهور هذا المصطلح: "الأدب هو الأدب، إذا افتقد إلى منطقه الذي يحدّد أدبيّته فإنه يُصبح شيئاً آخر غير ذلك. عندما نعود إلى نظرية الأدب منذ أرسطو، وإلى اليوم، سنجدها عبارة عن مجموعة من المحاولات التنظيرية والتحليلية والمنهجية والمعرفية التي سعت إلى إنتاج وعي معرفي بطبيعة هذا المنطق، الذي يجعل من الأدب أدباً".
تضيف: "هذه ليست فرضية تستدعي المناقشة، والبحث في شرعيتها، إنما هي حقيقة هوية الأدب". تضيف "قد نتحدّث عن تحوّلات نظام الأدب، والذي نقصد به تحوّلات نظام ترتيب النص الأدبي، من دون أن يعني ذلك خدشاً في منطق الأدبية.
نثير في البداية ضرورة التمييز بين مفهومي التحوّلات الوظيفية التي تُخصِب الأدب وتُغنيه وهو ينتقل في مساراته التاريخية، والانزياحات اللاوظيفية التي تُخرجه من زمنه الشرعي. وإننا حين نتحدّث عن الكتابة الأدبية النسائية، فنحن نتحرّك داخل الأدب.
لكن، حتى لا يُحدث هذا التعبير الاصطلاحي "الكتابة النسائية" لُبساً للأدب، وجب التذكير بضرورة الاشتغال بالمصطلح من داخل نظرية الأدب، وليس من خارجها".
ترى صاحبة "قلادة قرنفل" أن مصطلح "الكتابة النسائية" يشير إلى أمر جديد في الرؤى والدلالات التي تقترحها المرأة عندما أصبحت صوتاً رمزياً، أي نمطاً من الوعي والمفاهيم التي تنتجها إبداعياً.
تقول "بهذا الشكل، فإن هذا المصطلح يسمح بالانتباه إلى الدلالات الجديدة للمفاهيم المتداولة التي تُنتجها المرأة وعبرها تُصبح شريكاً حقيقياً في تدبير الحياة والعالم. كلما ظهر مصطلح ما، فإن شرط ظهوره يؤسّس لوعي جديد، عندما نستبعد هذا الشرط، فإننا نُفوّت على الوعي إمكانية تطويره".
تعتبر كرام "أن البداية مفهوم لا وظيفي في تحديد الظواهر المعرفية والثقافية. لذا، عندما نتحدّث عن تاريخية الظاهرة، فنحن نعتمد مختلف الآثار التي تُشخّص حياة الظاهرة، حتى وإن لم تْرقَ بعض نماذجها إلى مستوى الظاهرة".
في كتابها "طبقات ربّات الخدور: مقاربة في القول النسائي العربي والمغربي" الصادر سنة 2009، حاولت كرام أن تبحث عما سمته بـ "تكوّن النص النسائي المغربي" ورجعت إلى مختلف الكتابات التي وضعتها المرأة المغربية قبل الاستقلال، من خلال قراءة حفرية في المجلات والجرائد التي كانت تصدر في فترة الاستعمار، فوجدت كتابات منذ الثلاثينيات من القرن العشرين.
تعتبر الباحثة هنا أن "أهمية هذه النصوص ليست في تراكمها النسبي، إنما في خطابها الذي يُحقق حضوراً متميزاً للمرأة المغربية".
تُتابع "لقد كانت الكاتبة تبدع ضمن شرط لا موضوعي معرفياً، ليس فقط بالنسبة إلى الكتابة النسائية، إنما بالنسبة إلى الكتابة الأدبية المغربية بشكل عام، إذا أخذنا بعين الاعتبار نسبة الأمية، وحالة الاستعمار. لقد كانت المرأة تكتب المقالة وكأنها تحكي. كان الحكي أسلوب كتابة المقالة، ولهذا يصعب علينا أحياناً التمييز بين المقالة والقصة. بمعنى أن الخيال كان حاضراً".
تضيف: "لامست المرأة في هذه الفترة موضوعات أراها مهمّة، فعندما تكتب "باحثة الحاضرة" مليكة الفاسي (1919-2007) نصها "دار الفقيه" نهاية الثلاثينيات من القرن العشرين، بضمير المتكلم المُفرد، فقد كانت تُؤسّس لتحرّر ضميرها، وتُعلنه خارج وصايا ضمير الغائب الذي كان سائداً في تلك الفترة، وعندما تكتب عن الزواج المبكر، فقد كانت تهيّئ، وأخريات، المجتمع إلى تقبّل التحوّلات الاجتماعية. كانت الكتابة أفقاً يتّسع إلى حلم الكاتبة المغربية في هذه الفترة".
أما بعد الاستقلال، فتلاحظ كرام أن "أفقاً مختلفاً ظهر مع كاتبات مثل رفيقة الطبيعة وخناثة بنونة وأمينة اللوه وفاطمة الراوي، حيث بدا الانخراط وبمستويات مختلفة أوضح في قضايا اجتماعية وسياسية ونقابية وتاريخية. لم نلتق بنموذج واحد، إنما كل كاتبة تُعتبر نموذجاً خاصاً".
وعن علاقة التكنولوجيا بالأدب وخدمتها له والقلق منها، تقول: "التكنولوجيا قدّمت للأدب إمكانات عديدة لكي يُجدّد تجلّيه، ويُسوّق تجاربه، ويعقد تواصلاً سريعاً مع القارئ. كما استفاد نظامه من الوسيط التكنولوجي، إذ لم نعد نلتقي بالنظام نفسه، إنما بطرق مختلفة في بناء النص الأدبي. أحدث هذا التغيير تحوّلات بنيوية على مستوى مكوّنات النص، مسّت مفهوم اللغة والمؤلف والكاتب والقارئ والنص، كما غيَرت أفق القراءة ومنهجها. وبالتالي، فنحن نعيش تجربة رؤية جديدة تأخذ في التكوّن بفعل نظام الأدب".
ترى صاحبة "سفر في الإنسان" أن الأمر يتطلب وعياً معرفياً وفلسفياً بالشرط الإنتاجي لهذه الرؤية وهو الزمن التكنولوجي، وحيثياته، وما يقدّمه للفرد من خدمات، مقابل أن يُنتج الفرد تفاعله بالمادة التي يتلقاها، من دون الاكتفاء بالاستهلاك والتفكيك والتحليل.
رغم النقاش الدائر حول تسيّد الرواية للساحة الثقافية، ترفض صاحبة "ضيافة الرقابة" مقولة أخذ الرواية لمكانة الشعر، تقول: "كل شكل تعبيري يعبّر عن رؤيته انطلاقاً من موقعه في اللغة. يمكن فقط أن نتحدّث عن مفهوم هيمنة جنس تعبيري على آخر، ولنا في تاريخ الأشكال الأدبية أمثلة على ذلك".
تتساءل الباحثة في هذا السياق: "هل إن هيمنة الرواية على المشهد الأدبي العربي تُعبّر عن كونها أكثر الأشكال قدرة اليوم على احتضان الأسئلة العربية، وتشخيص تحوّلات المجتمعات العربية؟ هل إن كتابة الرواية عربياً، تُمليها دواعٍ تاريخية-معرفية؟ هل تحوّلت الرواية، في التفكير العربي، إلى خطاب لإنتاج الوعي؟".
هنا، تعقّب كرام "عندما نعود إلى زمن ظهور الجنس الروائي، سنلتقي بهذه العلاقة البنيوية بين تحوّلات المجتمع، وحركية التاريخ وظهور الرواية باعتبارها الجنس الأدبي الذي يُرافق هذه الحركية من أجل احتضان منطقها والتعبير عنه أولاً، ثم الوعي بها ثانياً".
وفي ما يتعلّق بالجوائز، ترى أن "الجوائز لها دور مهم في تشجيع كتابة الرواية، لكن التشجيع لا يعني الارتقاء بالرواية". وتشير إلى أن "كثرة الجوائز قد تبتعد بنا عن الأفق الحضاري، لأن الكتابة ستصبح من أجل جائزة، ولن تكون نتيجة لمطلب حضاري. فرق بين أن نكتب، وأن تُوصلنا الكتابة بتراكمها إلى غاية ما. الجوائز مجرّد دعامات لتشجيع الكتابة، لكن على المُبدع ألا يسعى إلى تحقيق مطلب شخصي مادي من خلال الكتابة".