لا يخلو لقاء مع أدونيس مؤخراً من دون الخوض في مواقفه السياسية، ولا سيما من الثورة في بلده وما جرى بعدها ومن مجمل انتفاضات العالم العربي وثوراته، وما يبدو أنها انعطافات تتسم بها مواقفه وحياته، مثل تجربته الشعرية الممتدّة لأكثر نصف قرن، وما حدث في عُمان مؤخرا جزء من هذه الظاهرة.
في جلسة حوارية مع الشاعر الذي حلّ ضيف شرف "مهرجان أثير الشعري" الذي اختتم في مسقط أمس، وضمّت شعراء عًمانيين وعرب، سئل عن تعليله "رفضه مناصرة الشعب السوري في ثورته، بأنها انطلقت من مسجد، ويرفض ذلك المنزع الديني الذي نزعت إليه" كما جاء على لسان الشاعرة الكويتية سعدية مفرح التي أضافت بأنه "يمكننا بسهولة تقبّل هذا التعليل في سياق علمانية أدونيس، لولا سابقته في تأييد الثورة الإيرانية التي انطلقت من "حوزة" يومها، لم يكتفِ أدونيس بتأييد ثورة يقودها "رجل دين" وبشعارات دينية وحسب، بل إنه بالغ كثيراً في تأييدها..".
أدونيس ردّ بالقول: "إن كلام السيدة قائم على الإشاعات وأنها لم تقرأ سوى مقال واحد من بين ثلاث مقالات كتبتها آنذاك"، مؤكداً أنه لا يريد أن يدخل في جدل عقيم لكنه استطرد: "المقال الأول كان مؤيداً للثورة الإيرانية باعتبارها ثورة قام بها شعب ضد إمبراطور، ووصفتها بأنها حركة شعبية ومثال فريد للثورات في تاريخ الشعوب، قام بها شعب بمختلف فئاته ولم يستخدم فيها العنف، ولست وحدي من أيّد هذه الثورة بل مفكرين وكتّاب كبار مثل ميشيل فوكو وغيره".
وأضاف: "يجب على السيدة أن تكون قد قرأت المقال الثاني والثالث وكذلك جميع الكتّاب الذين ينتقدونني فيما يخصّ الثورة الإيرانية، حين أعلنت رفضي الكامل بأن تقوم أي ثورة على الدين، فالدين مسألة شخصية وأنا أحترم ذلك وليس مسألة جماعية، فالدين حين يكون جماعياً وثقافياً وسياسياً واجتماعياً فإنه يتحوّل إلى نوع من الطغيان وإلى نوع من الاعتداء على الحريات، أما المقال الثالث فقد حذّرت فيه من نشوء شخصية أسميتها "الفقيه العسكري" وكنت دائماً ضد أن يكون الدين سياسياً".
ودافع أدونيس عن الحق الشخصي في الإيمان، موضّحاً "لكن أن يُفرض عليّ دينٌ فهذا عدوان، والمجتمع الذي لا يسمح بتعدّد الأديان والآراء والبدائل، فهو مجتمع مغلق، وأنا لا أتردّد في القول بأنني كمؤمن سيكون إيماني ناقصاً وجاهلاً أيضاً إذا لم أسمح لجاري كمواطن في أن يؤمن كما يشاء، وما فرْض دين واحد إلا مسألة تأويل حوّلت الدين نفسه إلى نظرة أيديولوجية، وحينما يتحوّل الدين إلى أيديولوجيا يصبح ديناً سياسياً وسلطوياً مما يقتل البعد الروحي والأساسي الذي تقوم عليه الأديان".وإن كان ما يقوله أدونيس هنا ليس موضع خلاف بين العلمانيين والديمقراطيين العرب، إلا أن هذا النقاش يبعدنا عن حقيقة أن هناك مجازر ترتكب اليوم بحق الشعب السوري.
بدا الشاعر محتاجاً إلى توضيح، على طريقته التي لا تخلو من الاستفزاز: "شخصياً لا أرى أي هواجس أو أمور روحية بالمعنى الإنساني العميق في المجتمعات العربية، والعالم العربي الإسلامي لا علاقة له بالأبعاد الروحية الكبرى التي أراها في الحضارات الأخرى". كما نافح أدونيس -رداً على النقد- عمّا قاله حول "انقراض العرب": "أنا أتحدث عن الانقراض الحضاري وليس الفردي".
وختم بالقول: "توجد الشعوب بقدراتها الإبداعية والحضارية، والعالم العربي في نظر العالم ثلاثة أشياء فقط: ثروة نفطية، وفضاء استراتيجي وبشري يمكن استخدامه، وهذا هو المعنى الإبداعي حين أقول بأننا ننقرض وأنا أتحداكِ أن تقولي لنا ماذا لدينا لنقوله للعالم اليوم أو أن نؤثّر في مصير العالم إلا سلباً؟ لا تظني أن الغرب يحبنا، الغرب يكره العرب والمسلمين لأنه لا يرانا إلا مجرد أدوات يسّرت له استعمارنا، فلم يعد المستعمر بحاجة إلى أن يرسل جيوشاً، صارت له جيوش وطنية داخل البلدان ذاتها".
لعل هذا الكلام من صاحب "أغاني مهيار الدمشقي"، يفسّر اندفاع بعض الجيوش "الوطنية" إلى قصف شعوبها بمجرّد أن تخرج مطالبة بالحرية.