منذ سنتين، رحل عن عالمنا الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، وتحديداً في 17 نيسان/أبريل 2014. في عام 1999 تم تشخيص حالته بأنه مصاب بسرطان الغدد اللمفاوية.
انتشر خبر اعتزال ماركيز، وفي 2012، وبسبب بعض تصريحات شقيقه خايمي شاع خبر أن الكاتب يعاني من خرف الشيخوخة، لكنه عاود الظهور في فيديو بمناسبة احتفاله بعيد ميلاده الخامس والثمانين في مارس 2012، فجاءت الصور لتنسف خبر الخرف من أساسه إلى حين توديع أصدقائه والعالم له سنتين بعد ذلك.
مزجت أعمال ماركيز بين السيرة الذاتية والمتخيّل في تناغم متماسك لا يمكن التمييز فيه بين حدود هذا وذاك، لكنك وأنت تقرأ سيرته الذاتية "عشت لأحكي" تستطيع أن تتأمّل هذه المقاطع من حياته وهي تتسلّل إلى رواياته وتشيد عالماً سحرياً.
يمكن للقارئ أن يكتشف جدّ ماركيز في انتظاره الأبدي من خلال "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه"، وأن يكتشف "جنازة الأم العظيمة" بقوة شخصيتها بعد أفول قصة عشقها لأب غابو في "الحب في زمن الكوليرا".
وفي "مائة عام من العزلة"، تضاربت الآراء بين من يعتبرها فضاء متخيلاً خلقه المؤلف، وبين من يرى فيها استعارة يقصد بها ماركيز كل المنطقة التي يطلق عليها في كولومبيا منطقة الكاريبي. ستكتشف أيضاً ماكوندو وأنت تقرأ "عشت لأروي"، وماكوندو هو الفضاء المكاني الذي أبدعه ماركيز هي في الواقع مجرد مزرعة من مزارع الموز.
ماركيز أيضاً هو الموقف السياسي الذي لا يعرف المساومة، من القلة هو وخوسيه ساراماغو ووول سوينكا وخوان غوتيزولو الذين استطاعوا أن يواجهوا الصهيونية العالمية بحقيقتها البشعة.
كتب غابو سنة 1982 بعد الغزو الإسرائيلي للبنان مقالاً حول مقاومة الشعبين الفلسطيني واللبناني يكشف فيه الوجه البشع لإسرائيل وزعمائها تحت عنوان: "بيغين وشارون جائزة نوبل للموت"، وقد ختم مقاله كالتالي:"أنا لا أخشى الابتزاز بالتهديد والاتهام بمعاداة السامية، ولم أخش يوماً الابتزاز بالتهديد والاتهام بمعاداة الشيوعية المحترفة وهما اللذان يسيران معاً أحياناً ومتفرقين أحياناً أخرى، ودوماً يعيثان خراباً في هذا العالم البائس".
كم نحتاج اليوم إلى أصوات مثل هذا الصوت، صوت حر في عالم أصبح فيه التستر على الجرائم ضد الإنسانية عملة رائجة، والخوف من الاتهام بمعاداة السامية سلاح يرهب المثقفين الزائفين الذين ينشدون التطبيع والنفاق السياسي في هذا "العالم البائس" كما قال ماركيز نيابة عنا.