حين أصدر حسين مروة كتابه "تراثنا كيف نعرفه؟" اختار أن تتقدّم مقالات الكتاب كلّه، واحدة قصيرة فيها حكاية عن شخصية عربية قديمة من عصر ما قبل الإسلام اسمه "أبو رغال".
وأبو رغال هذا بحسب الحكاية، أو الحقائق العربية القديمة، رجل اختار أن يكون مرشداً ودليلاً لأبرهة الحبشي، أثناء غزوه لمكة، من أجل استبدال الكعبة فيها، بعد هدمها، كما فكر، بالقليس الذي بناه كبديل ديني، يمكن أن يستقطب التجارة إلى المناطق التي يحكمها.
تقول الحكاية أيضاً، أن أبا رغال لم يكمل طريق المرشد، أو الدليل للقوات الغازية. وقد مات في الطريق، مرضاً، أو بأي سبب آخر، ودفن في المكان ذاته. يعرف التاريخ أن أبرهة قد هُزم، وعاد خاسراً من المعركة التي خاضها على أبواب مكّة. وصار للعرب قبل الإسلام شعيرة تتمثل في رجم قبر أبي رغال. فما الذي كانوا يرجمونه في الواقع؟
يرجح أن يكون الرجل النكرة المجهول، قد تحوّل في نظر العرب الذين آذتهم فعلته البغيضة، إلى رمز للخيانة (هذا رأي مروة). وأن شعيرة الرجم الرمزية، كانت تقدم تعويضاً وطنياً عن تسللّ أحد أبناء جلدتهم كي يكون دليلاً للغازي المحتل.
سبق للإنجيل أن أشار إلى يهوذا الإسخريوطي الذي خان المسيح من أجل ثلاثين قطعة من الفضة، وقول الأخير: ويل لذلك الرجل الذي سيسلم ابن الإنسان. ومن أيامها ويهوذا يتجوّل عبر العصور بهذه اللعنة.
بينما شارك بروتوس، قبل ذلك، في اغتيال صديقه يوليوس قيصر، دون أن يعلم أنه سوف ينال من التاريخ تلك الجملة الشهيرة الممتلئة بالحزن التي قالها قيصر، حين التفت ورآه في صفوف قتلته: حتى أنت يا بروتوس؟
والمرجح أن أحمد عرابي قد مات، دون أن يعلم أن شيخاً من البدو المصريين، المنضمين إليه لقتال الجيش الانكليزي، واسمه مسعود الطحاوي، قد خانه لقاء مبلغ خمسة آلاف كرون نمساوي، وقدم له معلومات مضللة، مقابل التمهيد للجيش الإنكليزي لمحاصرة المصريين. كما يذكر مستر بلنت في كتابه "التاريخ السري لاحتلال انكلترا مصر".
لا تحفظ لنا الحكايات ما الذي قاله أبو رغال، أو يهوذا الإسخريوطي، أو بروتوس. ولا ندري إذا ما كانت قد تعمدت ذلك في نوع من الاحتقار، أو الإهمال، أو الصمت، أو التجاهل تجاههم، أو أن أصحاب تلك الأفعال قد أدركوا دناءة ما فعلوا أو قالوا. لا نعرف، فما يزال التاريخ والحاضر ينبت لنا أسماء كثيرة ممن قرؤوا أو لم يقرؤوا الحكاية عن أبي رغال.
يحكي بورخيس في قصته "الخائن والبطل" أن الثوار الإيرلنديين اكتشفوا أن زعيمهم كيلباترك هو الخائن الذي كان يعطل دائماً نجاح أي عمل ثوري ينوون القيام به. لم يكن من الممكن فضح الخيانة هنا، دون أن تتزعزع القضية، أو تفسد ولاء الشعب لها. وعندئذ توصل الجميع إلى اتفاق يمكنهم من إعدام الخائن، وإنقاذ القضية. إذ يُقتل كيلباترك برصاصة مجهولة، بينما يكتب معاونه كتاباً يسرّب من خلاله سرّ موت الخائن الذي سيُكشف فيما بعد.