كرّس "مهرجان المسرح العربي" الذي أقيمت دورته الأخيرة في وهران، واختتمت الخميس، جلسة استعادية لذكرى المسرحي الجزائري عبد القادر علّولة (1939 – 1994)، شارك فيها مسرحيون ونقّاد بحضور رفيقة حياته رجاء علّولة.
افتتح الجلسة وأدارها الناقد الجزائري لخضر منصوري، الذي تناول تجربة الراحل في سعيه إلى تأسيس تجربة مسرح جديد يولد من التراث الجزائري دون أن يمنع ذلك من معالجة معاصرة لواقعه برؤية نقدية. ولفت إلى أنه كان يعرف كيف يضمّن التجارب الشعبية والتراثية الأخرى في مسرحه كما ظهر في عمله "القوّال" واستلهامه لفن "الحلقة"، حيث شرح علّولة في محاضرة ألقاها في برلين عام 1987 كيف اكتشف فن الحلقة بالصدفة وهو يتجوّل لتقديم عروضه المسرحية في الريف، حيث يتغيّر ترتيب المسرح وبالتالي يتغيّر فضاء الأداء، مما يستوجب "إعادة النظر في كل العرض والإخراج المسرحي جملة وتفصيلاً". من هنا، عرف كيف يجعل مسرحه جزءاً من حياة الناس بتنقّله بين الأحياء الجامعية والعالم القروي ودور المسرح. ومن خلال قوالبه المبتكرة أحدث نقلة نوعية في التجربة الجزائرية على الخشبة.
بدورها، قدّمت الكاتبة المسرحية نجاة طيبوني شريطاً وثائقياً، توقّفت فيه عند محطات مفصلية من حياة علّولة وسيرته وتجربته المسرحية التي استمرت ثلاثة عقود، إلى جانب تقديم بعض المشاهد من مسرحياته وانتهاءً بجنازته في فرنسا حيث ثم اغتياله على يد جماعة دينية متشدّدة، وعادت بالشريط مع عودة الجثمان إلى وهران. يعرض الوثائقي أيضاً شهادة علّولة عن المسرح حين يعتبره مساهمة في التعبير الثوري والجذري للمجتمع، الى جانب شهادته المؤثرة حول عمله الإنساني مع الأطفال المصابين بالسرطان.
شهدت الجلسة أيضاً مداخلات من زوايا مختلفة للباحثين عبد الكريم غريبي، سمير مفتاح، لميس عماري، بوزيان بن عاشور، عزيز الغوتي، ركّزت على تجربة علّولة ضمن مسار تشكّل المسرح الجزائري.
ترك شهيد المسرح الجزائري، وصاحب "اللثام"(1989) و"التفاح" (1992) و"أرلكان خادم السيدين" (1993)، إرثاً مسرحياً كبيراً ما بين تأليف وإخراج. ومثّل مع ولد عبد الرحمن كاكي وكاتب ياسين وأسماء أخرى منظومة ثقافية يسارية تقدّمية، دفعوا ثمنها كلٌ بطريقة.
كانت تجربة علّولة من النماذج الرائدة التي لم تنشأ في أحضان المسرح التجاري، فعلى العكس من كثير من التجارب العربية، ولد المسرح الجزائري من رحم الثورة الجزائرية، وتجربة علّولة ساهمت في انتقاله نحو آفاق جمالية جديدة.
يقول الراحل "المسرح وليد الشعر، الشعر فقط"، وهو ما جعله يسعى إلى "مسرحة العبارة" وتأسيس فن شعبي طلائعي. كانت تجربة علّولة قد انطلقت عام 1972، من خلال إنتاج جماعي لعمل مسرحي يتناول الثورة الزراعية بعنوان "المايدة"، وهي التجربة التي طاف بها العالم القروي وأكّدت له الثقافة السمعية والشفهية الحاضرة بقوة في المجتمع.