أجري هذا اللقاء مع الفنان التشكيلي الفلسطيني السوري محمد الوهيبي (طبرية 1948، برلين 2015) في مرسمه بـ"مشروع دمر" في دمشق في نوفمبر/ تشرين الثاني 2008 بمناسبة معرضه "مئة نظرة ونظرة"، الذي كان قد افتتح قبل هذا اللقاء بأيام. لم ينشر اللقاء وقتها ثم جاءت تغريبة فلسطينيي سورية الثانية، وفي منتصف آب/أغسس 2015 رحل الوهيبي في ألمانيا. نستعيده اليوم تحيّة للفنان.
■ الزاوية المأخوذة لإيماء العين، هل تتدخّل بمضمون ما توحي به النظرة؟
- زاوية الرؤية للمصور، دلالة مقاربة للتعبير، ليس إلاّ ما توحي بها النظرة، فموشور الرؤية من حدقة العين هو حالة تجوال بصري، للاكتشاف واستقرار النظرة لما هو مهم لفكر الناظر. فالشعور هو ما يحرك النظر مع تحريك تفاعلي للعضلات الحساسة للعين، والفنان يتبع تفاعل العين لقراءة جمالية وتعبير الصورة، ليرسمها كما يريد.
■ تدخل تفاصيل أخرى في اللوحة كخصلة الشعر أو وضوح انطواء الرموش، ما المقصود بذلك؟
- إن أي لوحة تعكس حواراً بصرياً لمفردات الصورة، فالحوار هو حالة جمالية كالحوار بين لونين، فكل لون وحده دون حوار مع ألوان أخرى، هو صمت حركي، إعطاء أي حوار هو ليس إلاّ حواراً جمالياً تعبيرياً، جُملهُ مفردات تحاكي العين، لتدل على جمال أو تعبير للوصول إلى رؤى مختلفة.
■ في بعض اللوحات ثمة شاغر هرمي أي زاوية، لماذا لا يكون الشاغر دائرياً أو مربعاً؟
- باعتقادي لا يوجد أي شاغر بصري لأي لوحة، إن كان المقصود بالأسود فلهذا اللون خصوصيته ولا يمثل شاغراً. اللوحة تتشكل من كتلة وفراغ وهي حالة هندسية بصرية ليس إلاّ!
■ أحياناً تتدخل في اللوحة حركة مختلفة غير معتادة مثلاً وجود شكل الأفعى فوق الحاجب بطريقة خجولة هاربة، هل يدل ذلك على القسوة أم مجرد تمييز عن غيرها من اللوحات أو وشم مثلاً؟
- للفنان حريته التقنية، فزخرفة ثوب ما هي إلا إصغاء لإحساس المصمم على هذا الثوب، واللوحة أيضاً تأخذ نفس الجدلية، بأن تعطي للشكل، حرية الإحساس به، فوجود خطوط أو مساحات حول العين ليس أكثر من حالة تفاعل للدلالة على إحساس خاص للفنان، بوجوب حوار ما بين مساحات الذهب ونقاط اللون الأسود وهي باختصار إيقاع موسيقي غير مسموع بل مرئي.
■ لماذا الاشتغال على لونين أساسيين: الأبيض والأسود في بعض اللوحات، وفي أخرى ثمّة اقتحام للون البني الفاتح القمحي؟
- الاشتغال على لونين كالحوار بين آلتي موسيقى هي حالة انسجام. لإطلاق الموسيقى بشكل مختلف جديد، والبصر بحاجة إلى حوار ألوان لإظهار ماهية اللوحة. الأبيض والأسود في لوحتي هما حوارية لإظهار شكل ومضمون العمل وإعطاء طاقة أخرى للون ثالث، هي لا أكثر من اقتصاد بصري، فالألوان كثيرة في عملي هي حالة من حالات الدفء اللوني. هكذا أرى عملي، شخصي، تماماً.
■ بخصوص هذا النوع من اللوحات (النظرات) لعين واحدة أتنتمي إلى مدرسة معينة؟ وكيف كانت ردود الأفعال حولها؟
- المعرض هو حالة بحث للعين واحترام هذه الحاسة، فكل مفردة بصرية ولو كانت صغيرة لها وظيفتها وتظهر أهميتها من خلال التأمل. أما بالنسبة لهذا الفن فهو ليس مدرسة لأحد، إنما هو موضوع أثار اهتمامي فاشتغلت عليه ما استطعت مشتقاً حالة تعكس رؤية عن تلك الحاسة الغامضة. ردود أفعال المتلقي قد تعتمد على ذائقته الفنية، وطبيعة تراكماته عن فن الرسم، بالمحصلة تعود لثقافته اللونية ولخبرته بأسرار الحياة.