في أكثر من بلد، ظهر في العقود الأخيرة "بيت للشعر" تقتصر نشاطاته في الغالب على تنظيم الأمسيات، وربما طبع بعض المجاميع الشعرية من حين إلى آخر. النماذج التي تأسّست عربياً بدت تابعة للجهاز الرسمي، وبالتالي نجد فيها أثراً للبيروقراطية والمركزية المكثفة.
في مراكش، جرى الإعلان مؤخراً عن افتتاح "دار الشعر"، تفعيلا لمذكرة تفاهم بين وزارة الثقافة والاتصال المغربية ودائرة الثقافة في حكومة الشارقة، في خطوة تبدو محاولة لتنشيط المدينة ثقافياً من جهة، وتجاوز انحسار الجزء الأكبر من الحياة الثقافية على الدار البيضاء والرباط.
في "المركز الثقافي الداوديات"، يجري غداً السبت افتتاح هذه المؤسسة من خلال حفل افتتاح يتضمن أمسية شعرية وزجلية وموسيقية، بمشاركة الشعراء: جمال أماش، وإيمان الخطابي، وادريس بلعطار، وعائشة بلحاج، ومحمد النعمة بيروك، إلى جانب فقرات موسيقية تقدّمها فرقة لامك للموسيقى العربية والتراث الغنائي بقيادة محمد آيت القاضي. يلي حفل الافتتاح، الإعلان عن انطلاق البرنامج الثقافي للدار، والخاص بالموسم الثقافي الجديد.
"دار الشعر" في مراكش ستضم ضمن مرافقها الأساسية مكتبة شعرية والتي من المتوقّع أن تحتوي على أهم عناوين وإصدارات الشعر المغربي، من خلال بانوراما لأهم الإصدارات المغربية في مجال الشعر المغربي عبر عناوين تؤرّخ لمرحلة كاملة من مسار تشكل القصيدة المغربية الحديثة.
من المؤكّد أن مطلقي المشروع سيعملون على الاستفادة من تموقع "دار الشعر" في مراكش، بمكانتها الحضارية والثقافية، وبالخصوص صورتها التي تصل العالم بفضل قدرتها على الجذب السياحي دون أن ننسى تنوّع تراث المدينة المادي واللامادي، وهي عوامل تجعل منها فضاء مناسباً للانفتاح على الشعر. إضافة إلى كل ذلك، فالمدينة تزخر بأسماء وأصوات شعرية متنوعة.
افتتاح دار الشعر الثانية من نوعها في المغرب (بعد تطوان) يعيد طرح السؤال مجدداً حول حضور الشعر في المشهد الثقافي المغربي. خصوصاً، أن النقّاد كثيراً ما أصرّوا على هيمنة الفكر والكتابات السردية على المشهد الثقافي في المغرب والتأكيد على "ضمور" حركية الساحة الشعرية المغربية في السنوات الأخيرة.
وفي الحقيقة، لا يبدو هذا انطباعاً أتى من فراغ فالعديد من الملتقيات الشعرية المهمة توقفت، وأُحدثت أخرى لم ترسّخ بعد أقدامها، وحتى على مستوى الإصدارات فمن الواضح أن الزخم في صالح المؤلفات الفكرية والسردية على حساب الشعر، وإن أشارت بعض التقارير إلى تزايد في عناوين الإصدارات الشعرية في السنوات الأخيرة.
كل هذه المعطيات تثير تساؤلات حول مآل الشعر المغربي اليوم، وقدرته على التأثير وهل يمكنه أن يكون فضاء لأسئلة التحولات الكبرى التي يشهدها المغرب والمنطقة العربية عموماً. ومن وراء كل ذلك، كيف للمؤسسات، ومن بينها "دار الشعر"، أن تؤطّر كل ذلك؟ أم يكون دورها فقط مساهمة في "تداول" الشعر بين قرائه ومستميعه، والانفتاح أكثر على مؤسسات شبيهة في العالم العربي.