أُصيب ابن التاسعة بمرض في العظام، وقضى خمسة أعوام يحاول النجاة منه، ثلاثة منها في مصحة بعيداً عن العائلة، وتركت الآلام المبكرة بصمتها على جسد مورافيا الذي ظل واهناً وقد ميّزه العرج الخفيف والانفعال السريع الذي يظهر في حركاته، والرغبة في إيذاء الآخرين جسدياً. تقول شقيقته إيلينا عن ذلك: "كانت طباعه عنيفة، يتعمّد إيذاءنا فيضربنا ويقرصنا ويوجعنا، ثم فجأةً كان يتركنا ويتحاشانا لوقت طويل".
تبدو سنوات المرض هذه وكأنها أعدّت روح وعقل مورافيا وجسده للأدب (لاحقا سيجلس يومياً لساعات يكتب بلا كلل). كانت الأيام الطويلة على السرير تقتضي البحث عن أصدقاء، وقد وجد هؤلاء في كتب جيوس كاردوتشي وجيوفاني بوكاتشيو وفيودور دوستويفسكي وجيمس جويس وويليام شكسبير وموليير وغوغول ومالارميه.
حين بلغ الثامنة عشرة، بدأ مورافيا كتابة "زمن اللامبالاة"، واستمر في ذلك ثلاثة أعوام إلى أن نُشرت عام 1929 وحازت أبرز جائزة في الأدب الإيطالي عند نشرها، ووُصفت بأنها "المثال المضيء للأدب الإيطالي المعاصر".
في البداية، لم يجد ألبيرتو من ينشر له روايته. إنه كاتب مجهول وصغير السن، والرواية فيها الكثير من التنمّر على الأدب الإيطالي بشكله الذي كان مكرّساً آنذاك، فاضطر الشاب أن ينشرها على نفقته، ودفعت عائلته خمسة آلاف ليرة للناشر لكي تجد طريقها إلى المطبعة. بيعت الألف نسخة من الطبعة الأولى كاملة وبسرعة، فأصدر الناشر طبعة ثانية على حسابه من أربعة آلاف نسخة، بيع معظمها قبل أن يقرّر الفاشيون منع تداولها، فينتقل مورافيا إلى العيش مدّةً في سويسرا.
كتب مورافيا 34 كتاباً، نصفها روائية والنصف الثاني في النقد والسينما والفكر، يقول: "يصادفني نجاح كبير كل عشرين عاماً تقريباً. بعد "زمن اللامبالاة"، أثارت "امرأة من روما" عام 1947 الجدال ولقيت نجاحاً مذهلاً، وهذا ما حدث عام 1960 مع "السأم"، ثم "أنا وهو" عام 1971".
عن "السأم" يقول: "إنها تمثيل لما أحس به من وقت إلى آخر، الانفصال عن الواقع، وهو شعور سميته عدة أسماء: "اللامبالاة" و"اليأس" و"الاحتقار" و"العصيان"، كان بإمكاني أن أسمّي كتابي "زمن اللامبالاة" بـ السأم".
يكمل في مقابلة تلفزيونية معه: "بدأت أشعر بشخصيات روايتي "زمن اللامبالاة" وأنا في عمر العاشرة، كانت عائلتي البرجوازية عبئاً علي".
كان مورافيا صدامياً مع عائلته، نافراً من أمه. تظهر الأم في معظم أعماله كما لو كانت صنماً. من أكثر ذكرياته إيلاماً بالنسبة إليه: "حين كنت في الثامنة سقطت في الشارع وأنا مع والدي، انهار جسدي فجأة، ولم يعرف والدي ما ينبغي فعله فتركني في الشارع وذهب إلى البيت لإحضار الطبّاخة التي حملتني بين ذراعيها وأخذتني إلى البيت".
لطالما انتقد وهاجم مورافيا الطبقة البرجوازية في رواياته، من "عصيان" إلى "احتقار". كان غاضباً وناقداً قاسياً وكان ذلك يظهر في شخصياته، حيث يكشف ذلك الجفاف الأخلاقي والرياء وعجز الناس عن تحقيق السعادة في الزواج والعائلة. إنها أمراض الطبقة التي تمثلّها عائلته.
استكشف مورافيا أيضاً الواقعية الجنسية المفرطة في عمله "أنا وهو"، وقدّم سلسلة من الأعمال التجريبية النفسية في السبعينيات، والتي تناول فيها الوجودية والاغتراب والأخلاق.
زار الروائي المسن بغداد وبيروت وطهران عام 1984، وعن تلك الزيارة يقول: "لم أتصور أن أجد بغداد بهذا الشكل، كنت أتصوّرها مدينة شهرزاد وشهريار، لكن للأسف رأيتها تلبس ثوباً آخر".
كانت بغداد مورافيا هي تلك المدينة التي عرفها في "ألف ليلة وليلة" أحد الكتب التي رافقت طفولته ومراهقته العليلة، لكنها ليست بغداد الثمانينيات ولا تمت إليها بصلة، حيث كان يعتقد، مخطئاً، أنه سيجد طابعاً معمارياً قديماً وجماليات غرائبية حافظت على وجودها رغم مرور الزمن.
لدى عودته من زيارته إلى الشرق كتب مورافيا: "المسافة بيننا وبين العرب أصبحت خطرة، لا نحن ولا هم قطعنا المسافات الثقافية الهائلة. كل الأخطار التي تهدّد عالمنا الصغير سببها هذه المسافات، نحن بحاجة إلى الشرق، الذي لطالما أضاء بنوره ظلامنا... في عالم عقلاني وتكنولوجي للغاية، هذه الحروب ليس لها دين، بل هي نزاعات بين أمم، بين دول، وهي تعكس جفاف روح أوروبا التي أصبحت فيلاً حيّاً يتظاهر بأنه نصب تذكاري".
للمفارقة، لقد استخدم مورافيا الوصف ذاته غير مرّة ليعبر عن مكانته، كما يرى نفسه، في الأدب.