تذهب الصحيفة، كما يبدو من العنوان "في مصر السيسي يقرؤون القرآن وخمسون ظلاً للرمادي"، بقرّائها "في زيارة إلى أكبر معارض الكتب في العالم العربي مع صورة بعدسة خالد الفقي لفتيات يقلّبن كتباً، يرافقها شرح: "في معرض الكتاب قلة ممن يفتحون أفواههم للحديث عن السلطة، رغم أنها سلطة تتحوّل إلى الطغيان والحكم الفردي".
من خلال جولة الصحيفة في معرض الكتاب تخرج على القراء أمس الثلاثاء بما يشبه جولة في تحوّلات مصر الثقافية "فالغبار تلمسه أصابعك وأنت تلمس "مزرعة الحيوان" لـ جورج أورويل على الرف العلوي في أحد الأجنحة، ويتحوّل إصبعك المغبّر إلى "مستقبل الثقافة في مصر" لطه حسين، الذي رأى أن مصر تحمل قواسم مشتركة مع حضارة البحر المتوسط وأوروبا أكثر مما هي مع العرب والشرق الأوسط"".
تقدم "إنفارمشيون" مزيداً من فهم التغيرات الشبابية، فـ"الأكثر مبيعاً هو "انتيخريستوس" (المسيح الدجال) لـ أحمد خالد (مصطفى)، ويرد مدير "دار ألف للنشر"، جمال دياب، ذلك إلى تغيرات كثيرة تحدث في مصر"، ويضيف بعد الثورة ضد مبارك "انتشرت في سنتي 2012 و2013 الأعمال السياسية، هذه السنة فإن الكتب الدينية هي الأكثر هيمنة، إلى جانب قصص الخيال العلمي والرعب والجمعيات السرية والمؤامرات".
لم تستطع الصحيفة الدانماركية الابتعاد عن ربط الثقافة والأدب بالسياسة "فيمكنك معرفة من سيفوز في الانتخابات الرئاسية من العناوين الأكثر مبيعاً في معرض الكتاب"، وتضيف الصحيفة "لا يبدو في الظاهر أن المصريين الآن مهتمون بالسياسة".
تُذكّر "إنفارمشيون" بسبع سنوات منذ سقط مبارك وكيف يبتعد المصريون عن السياسة وقد شاهدوا أن" السيسي قام بسحق كل من فكّر بتحدّيه في الانتخابات الرئاسية". ويختزل حديث مدير "ألف" للنشر الابتعاد عن السياسة بالقول: "هل تبحث عن المتاعب؟ الأفضل لك السؤال عن روايات الجريمة والشعر وعندها أجيبك على ما تريد" حين سئل عن السياسة.
إذن، تحت أسقف معرض الكتاب وبالقرب من الرفوف "ينتشر الرعب من الاقتراب من السياسة، والأمر ليس دون سبب، بحسب مدحت صفوت، الجالس خارج خيمة كتب وفي حضنه كتاب للفيلسوف الفرنسي جاك دريدا.
وتضيف الصحيفة بأن "صفوت طُرد من صحيفة "اليوم السابع" بسبب مقالته التي سخر فيها من السيسي". وأن المثقف صفوت "يرى بأن "السيسي هو أكبر مزحة في مصر، لكنه بالتأكيد ليس مزحة مضحكة".
لكي تصل الصورة إلى القارئ الدنماركي، اختارت "انفارمشيون" شرحاً عن واقع مصر "فسياسة الأوتوقراطيين مستمرة منذ عبد الناصر والسادات ومبارك في استخدام الحيلة لاكتساح الخصوم، وسياسة العصا والجزرة مع الصحافة، في حين أن السيسي، بالنسبة إلى صفوت، من طينة مختلفة بمعايير مختلفة عما يقوم به الأوتوقراطيين في الشرق الأوسط".
عرّجت "إنفارمشيون" على خطاب السيسي التحذيري الأخير، مشيرة إلى ما يعنيه حين قال للناس أنه لا عودة لزمن الثورة كما قبل سبع سنوات: "لا لا لا أنتم لا تعرفوني... أنا لست سياسياً"، بالطبع مع باقي الترجمة لتهديداته، التي لا يمكن لقارئ غربي أن يأخذها سوى في سياق الاستدلال على الاستبداد الذي "يعبّد طريقه على كل المستويات للبقاء في السلطة دائماً، مع كل القمع والحفاظ على دولة الفساد لفائدة الموالين، وتدمير كل فرص الديمقراطية في البلد".
وتنقل الصحيفة لوحة تختزل تشاؤم المتغيرات "فمن المؤلم الاعتراف أن مصر باتت أمة راكدة، وبدل أن تقود العرب باتت عبئاً عليهم"، كما يذكر صفوت وهو يحدق بالمارة وما يشترونه.
تعيد الصحيفة التذكير أيضاً بما نشره روبرت ماللي، مدير "مجموعة الأزمات الدولية"، في "غارديان" في 15 شباط/ فبراير 2011، عقب "ثورة يناير"، حين كان العرب يحلمون بأن يصيروا كالمصريين: "العالم العربي كان ميتاً، لكن مصر الآن ستعيده إلى الحياة"، وبالنسبة إلى صفوت هي اليوم مقولة "مثيرة للسخرية تماماً، فمصر بعيدة عن مكانتها الكبيرة السابقة".