أعلنت "دار الكتب الوطنية التونسية" مؤخراً عن اكتشاف نسخة ثالثة من مصحف ابن غطوس الذي كتب قبل تسعة قرون واستغرق في كتابته ستة أشهر على الأقل بحسب المؤرخين، وقد جاء الإعلان بعد عرضها على متخصصين أكاديميين في تاريخ الخط، وخطاطين محترفين، ومفهرسي مخطوطات للتبين من صحة نسبتها إلى ابن غطوس.
وتأتي أهمية محمد بن عبد الله بن غطوس البلنسي (توفي عام 1213) كخطاط، أنه من العائلات الأندلسية التي برعت وعرفت بنسخ القرآن، وكانوا من أفضل النساخين والمزوقين وأكثروا من ضبط مخطوطاتهم ومراجعتها.
ورد اسم ابن غطوس في عدة مراجع وكتب تراثية، من بينها "سلوة الأنفاس" لمحمد بن جعفر الكتاني، والذي وصفه بأنه "كان له خط رائق حسن، فكان ينسخ المصاحف، حتى نسخ منها عدداً كثيراً، وقد ذكر عنه أنه كتب بيده خمسمائة مصحف".
كما يقول المؤرخ الأندلسي ابن الأبار البلنسي في كتاب "التكملة" إنه "كان يكتب المصاحف وينقطها، وانفرد في وقته بالإمامة في ذلك براعة خط، وجودة ضبط، ولم يزل الملوك فمن دونهم، يتنافسون فيها إلى اليوم، وكان آل على نفسه أن لا يخط حرفاً من غيره، ولا يخلط به سواه، تقرباً إلى الله وتنزيها لتنزيله، فما حنث – فيما أعلم – وأقام على ذلك حياته كلها".
ومن المتوقع أن يكون ابن الأبار نفسه من قام بنقل المخطوط معه من بلنسية إلى تونس هدية للسلطان الحفصي، وثمة روايات أخرى تفيد بإقامة ابن غطوس نفسه في تونس لفترة.
المصحف كُتب بالخط المغربي المبسوط على الرق، بحبر بُني فاتح، أما حركات الشدّ والجزم فباللون الأزوردي، وعلامات الإعراب الأخرى بالأحمر، والهمزة بالبرتقالي.
كما يلفت رئيس قسم المخطوطات في الدار، شاكر عادل كشك، أنه وضع أشكالاً مستديرة في هوامش الصفحات؛ وزينها بـ "زخرفة على أشكال هندسية جميلة متناهية الدقة ومذهبة، كإشارة لعلامات الأثمان والأرباع وأنصاف الأحزاب. وكان يكتب اسمه في آخر ورقة من المصحف بمداد الذهب مع تاريخ النسخ".
ويلمّح كشك إلى أن النسخة تدل على أن هناك من حاول طمس اسم ابن غطوس بالحبر الأسود، ولا تعرف الأسباب حتى اللحظة.
وتملك "دار الكتب الوطنية"، مصحفين قبل هذا بخط ابن غطوس؛ بالخط الأندلسي الواضح والأنيق القريب من الكوفي مع خطوط متداخلة تتوزّع داخلها ألوان وخطوط ذهبية. لكن الثالث الذي عثر عليه مؤخراً صغير الحجم ليس كسابقيه، ما يجعل تجربة نسخه وتذهيبه وتزيينه أصعب بكثير، وفقاً لكشك.
وقد جرى عرض المصحف المخطوط في شباط/ فبراير الماضي على لجنة للتحقق من أنه مكتوب بخط ابن غطوس، وقد ضمّت اللجنة كل من الخطاط عمر الجمني، والأكاديمية المتخصّصة في تاريخ الخط فاطمة الجزيري، والمفهرسة المتخصصة بالمخطوطات حياة العبدلي.
وخلصت اللجنة في تقريرها إلى أن "الخط هو نفسه للخطاط ابن غطوس، وقد لوحظ أنه كتب بنفس التعريقة، ونفس الألوان، ونفس علامات الشدّات، فكانت جميعها في المصاحف الثلاثة باللون الأزرق، وكان التذهيب في المصحف المكتشف الصغير برّاقاً ولمّاعاً أكثر مما في نظيريه. والحاصل أن الخطاط الذي كتب المصحفين المعلومين المنسوبين لابن غطوس هو نفسه الذي خط المصحف المذكور".