قرابة سبعة قرون شغلت سيرة "الملك الظاهر بيبرص" مكانة مركزية في التراث القصصي الشعبي والحكائي في منطقة المشرق العربي، حيث بدأت الحكاية تُنسج في العصور الوسطى وظلّ الرواة ينقلونها شفهياً إلى أن وصلتنا.
كانت السيرة هي عرض الحكواتي المهيمن في بلاد الشام، ويقال إنها ظلّت تروى حتى الخمسينيات في الأماكن العامة في القدس وصيدا وطرابلس وحلب وبعلبك.
ومثلما هناك السيرة بنسختها الشامية، فإن هناك السيرة بنسختها المصرية والتي صدرت في خمسة مجلدات عن "الهيئة العامة للكتاب"، والتي تُعزى إلى شخص لم يذكر اسمه، وإنما عرف بعدة ألقاب، فهو الديناري والدويداري وناظر الجيش، وكاتم السر، والصاحب.
من يطالع هذه النسخة "سيعرف أن كاتبها شخص مصري، ضعيف اللغة، ولكنه واسع الخيال، طويل النَفَس في السرد، كثير الإيراد للمقطَّعات الشعرية والمواليا والأزجال الشعبية. وقد دوّن السيرة في أواخر العصر العثماني"، وفق ما جاء في تقديم النسخة المصرية.
في عام 2000، بدأ باحثون فرنسيون في تحقيق الرواية الدمشقية لهذه السيرة بهدف حفظها كما وردت في دفاتر ثلاثة حكواتيين، وآخر نسخة من هذه السيرة تعود إلى الأربعينيات، وظلّت تُروى في مقهى "النوفرة" خلف الجامع الأموي في قلب دمشق حتى عام 2011.
وقد أصدر "المعهد الفرنسي للشرق الأدنى" السيرة في 16 جزءاً بالدارجة الشامية، ويعدّ العمل بمثابة وثيقة أدبية شعبية اجتماعية، وقد أدّى مشروع المعهد إلى إعادة الحياة إلى السيرة بالمعنى الفرجوي، فانطلقت عدّة مشاريع حكواتية ومسرحية بهدف تقديم السيرة في المدن التي كانت تعرفها لقرون قبل أن تختفي.
من هذه المشاريع "سيرة السلطان" وهي أمسيات رمضانية تحكي أجزاءً من السيرة الشعبية للسلطان الظاهر بيبرس، وتسرد حكايات شعبية من التراث الفلسطيني، في محاولة لاستمرار حضور الحكواتي أحد الطقوس التراثية في رمضان، وفقاً لفريق "حكايا فلسطين" الذي ينظّم هذه التجربة عند التاسعة والنصف من مساء الغد في "مركز خليل السكاكيني" في رام الله وستكون الأمسية الثانية من السيرة الإثنين المقبل، 27 من الشهر الجاري.
هذه هي الفعالية الثانية التي ينظّمها "حكايا فلسطين" لإعادة سرد أجزاء من الملحمة الشعبية الشامية والتي بدأها "الملتقى التربوي العربي" عام 2016 بالشراكة مع "المعهد الفرنسي للشرق الأدنى".