ما سيصبح اسمه الموسيقى الكلاسيكية العثمانية في القرن التاسع عشر، تأثر بمصادر موسيقية وثقافية متعددة، وفقاً لما يقول الموسيقي جيمس سير، في محاضرة ألقاها عصر اليوم في "المدرسة الوطنية للموسيقى" في باريس، حول تاريخ الموسيقى في الإمبراطورية العثمانية، وبخاصة الصوفية منها.
يرى سير أن الموسيقى العثمانية أخذت في بداياتها من موسيقى الإمبراطورية الفارسية والساسانية، ومن موسيقى الامبراطورية الرومانية البيزنطية التي ازدهرت بين القرنين الرابع والثاني عشر ميلادية، ويلفت إلى أن أنماط تلك الأنواع الموسيقية البيزنطية والفارسية والساسانية محفوظة بسبب كتابة بعض نصوصها.
ولا ينسى ذكر تأثير الفنون الإسلامية التي وصلت إلى تركيا من بغداد، فبعد صعود الخلافة العباسية وتوسع الإسلام، عرفت المجالات الفنية الكثير من التوسع، من الكتابة والعمارة وكذلك حصل مع الموسيقى التي عرفت فلاسفة اهتموا بالكتابة عنها وفيها وعلى رأسهم الفارابي وفقاً لما يقول سير.
وفي القرنين الحادي عشر والثاني عشر، ظهرت شخصيات متصوفة تركت أثرها الجمالي والثقافي حتى اليوم ومن بينها ابن الرومي، ومع نهاية القرن الثالث عشر وفي عصر عثمان الأول الذي وضع حجر الأساس في الخلافة العثمانية، كانت هناك إمبراطورية قريبة تعرف عصرها الذهبي في آسيا الوسطى وهي المغولية، والتي كان لها أثر كبير في كل الفنون، وصل إلى إسطنبول.
وفي القرن السادس عشر بدأت الموسيقى العثمانية تصهر كل هذه التأثيرات مع الموسيقى الموجودة أساساً، ولكنها ظلت موسيقى تتأثر بما حولها من الحضارات والثقافات إلى أن قارب القرن الثامن عشر على نهايته حيث بدأت معالمها تصبح واضحة وتشكل وحدة متكاملة معروفة أصولها وفضاءاتها ومبادئها كما تعرف إلى اليوم، وكان ذلك في عصر سليم الثالث الذي كان هو نفسه يؤلف الموسيقى، بل ربما يكون أحد أشهر المؤلفين الموسيقيين في تلك الحقبة. وكل الرسومات تصوره محاطاً بمغني المتصوفة والعازفين، والذي سمح انفتاحه على أوروبا باستيعاب شيء من الموسيقى الأوروبية في التركية.
في تلك الفترة عرفت الموسيقى العثمانية الكلاسيكية والصوفية منها بخاصة أكثر من 600 مقام، 119 منها جرى التوقف عن استخدامها، ويشتهر منها اليوم عشرون مقاماً فقط، وكل مقام يتفق مع حالة صوفية بعينها.
بدأت الإمبراطورية العثمانية كما هو معروف تنهار مع بداية القرن التاسع عشر، وترافق ذلك مع الانفتاح أكثر وأكثر على الحداثة الأوروبية، وبدأت التقاليد الموسيقية تتغير وفقاً لما يقول المحاضر، فعرفت مجالس السلاطين دخول عازفي الكمان، الآلة التي لم تكن موجودة بشكلها الأوروبي في الموسيقى العثمانية من قبل، ومع إعلان الدولة التركية ونهاية العثمانية بدأت الموسيقى الكلاسيكية كما عرفها العثمانيوين بالاختفاء لولا بعض المؤلفين الموسيقيين الذين أصروا على الحفاظ عليها وعلى رأسهم الملحن رؤوف يكته بيه، رغم ذلك تركت الموسيقى العثمانية تأثيراً كبيراً على الموسيقى العربية خصوصاً، وأثرت في البلاد التي سيطرت عليها، وتلك القريبة منها مثلما تأثرت بها من قبل.