شرع فلاحو منطقة شرقي نهر الفرات، شمال شرقي سورية، في البدء بقطف القطن الذي كان قبل عام 2011 من أهم المحاصيل الاستراتيجية في البلاد، قبل أن يتراجع لأسباب تتعلق بالصراع الذي شهدته المنطقة على مدى سبع سنوات، وانتقال السيطرة عليها من طرف إلى آخر، حتى استقرت أخيرا بيد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد).
وبيّن الرئيس المشترك لهيئة الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية، سليمان بارودو، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "القطن يأتي بعد القمح لناحية الأهمية في المحاصيل الاستراتيجية في شمال شرق سورية"، موضحا أن هذا المحصول "يوفر المواد الخام للمعامل مثل الحلج، والغزل والنسيج وإنتاج الزيوت النباتية".
وأضاف: "القطن يوفر فرص عمل لليد العاملة في محال الحلج، والتجارة والصناعة".
وأوضح أن المساحة المزروعة في منطقة شرق نهر الفرات بمحصول القطن تبلغ نحو 49 ألف هكتار، مشيرا إلى أن الإنتاج المتوقع لا يقل عن 100 ألف طن. وأوضح أن الإدارة الذاتية "حددت ثمن الكيلو الواحد (المحبوب)، بـ 2500 ليرة سورية (الدولار = 3500 ليرة في السوق السوداء)".
وبحسب بارودو، فإن هيئة الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية في شمال شرقي سورية لديها أربعة مراكز رئيسية لتوريد القطن إليها من قبل الفلاحين، مركزان في الرقة، ومركز في ريف دير الزور، وآخر في محافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي من البلاد.
وتتمركز زراعة القطن في سورية، والمعروف بـ "الذهب الأبيض"، في شمالها الشرقي في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة بسبب توفر المياه، وخاصة من نهر الفرات الذي انخفض منسوبه في سورية إلى درجة غير مسبوقة، بسبب حجب الجانب التركي لمياه النهر، بحيث بات لا يتجاوز تدفقه 200 متر مكعب في الثانية، وهو ما لعب دورا في عزوف الفلاحين عن زراعة القطن في المحافظات الثلاث.
وتسيطر "قوات سورية الديمقراطية" على الجانب الأكبر من محافظة الرقة وكامل محافظة الحسكة وجزء من ريف الدير الشرقي، حيث تزدهر زراعة القطن الذي كانت سورية تنتج منه في بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي أقل بقليل من مليون طن، قبل أن يتراجع الإنتاج إلى مستويات تنذر بنهاية هذه الزراعة في البلاد.
القطن كان المصدر الثالث للنقد الأجنبي بعد النفط والقمح في سورية قبل عام 2011
وتحولت سورية خلال سنوات الحرب من مصدر للقطن إلى مستورد له، حيث سمحت حكومة النظام العام الجاري للصناعيين باستيراد القطن المحلوج والخيوط القطنية.
ويكشف عبد الرحمن يوسف، وهو أحد الفلاحين في ريف الرقة الغربي، لـ "العربي الجديد" أن هناك عزوفا شبه كامل عن زراعة القطن في عموم محافظة الرقة "بسبب التكلفة العالية التي لا يتحملها الفلاح، وغياب البذور الجيدة التي كانت تستورد من مصر قبل عام 2011، إضافة إلى أن الأسعار الموجودة متدنية قياسا بالتكاليف والمشقة".
ولفت يوسف إلى أنّ "الزراعة تبدأ في مطلع العام والقطاف أواخر العام، بلا مردود مادي جيد، في حين نستفيد اليوم من موسمين، وأحيانا ثلاثة مواسم من محاصيل أخرى خلال عام واحد"، مضيفاً: "إذا استمرت الأوضاع في سورية بهذا الشكل لسنوات أخرى مقبلة، ربما تنتهي زراعة القطن في شمال شرق سورية أو تصبح في الحدود الدنيا".
وكان القطن المصدر الثالث للنقد الأجنبي بعد النفط والقمح في سورية قبل عام 2011.
وكانت وزارة الزراعة السورية تقيم مؤتمرا علميا سنويا للقطن، يعقد في مدينة حلب تُطرح فيه كل الدراسات والبحوث للنهوض بهذه الزراعة، كما كانت تقيم مهرجانا سنويا للاحتفال ببدء القطاف.
من جانبه، يوضح الخبير الزراعي، إبراهيم مسلم، في حديث مع "العربي الجديد" أنّ قطاف القطن "يكون على مرحلتين وأحيانا ثلاثا، تبدأ الأولى في سبتمبر/ أيلول من كل عام"، مشيرا إلى أن سعر الطن من القطن قبل عام 2011 كان يصل إلى نحو ألف دولار للشريحة الأولى و700 دولار للثانية و500 دولار للثالثة.
وأوضح الخبير الزراعي أن معدل إنتاج الهكتار الواحد يتجاوز 4 أطنان، مشيرا إلى أنّ إنتاج سورية في عام 2011 كان 120 ألف طن. ووفق مسلم: "كانت المساحة المزروعة أكثر من 30 ألف هكتار".
ويلفت إلى أن الخطة الزراعية لمحصول القطن كانت 30% من المروي للمساحة المرخصة على الآبار، و50% للمساحات المروية من الأنهار، مشيراً إلى تقلص إنتاج سورية بعد 2011 إلى أقل من 20 طنا أي بمعدل 70%.
يتابع أن إنتاج الرقة والحسكة كان أكثر من 60% من إنتاج سورية، لافتا إلى أن إنتاج سورية من القطن بدأ يتراجع في بداية الألفية الجديدة بسبب جفاف الآبار وبعض الأنهار مثل البليخ في الرقة والخابور في الحسكة، موضحا أن إنتاج عام 2007 بلغ نحو 750 ألف طن. ويختم أنّ سورية كانت الثانية عالميا في إنتاج القطن العضوي الخالي من السماد.
تحولت سورية خلال سنوات الحرب من مصدر للقطن إلى مستورد له، حيث سمحت حكومة النظام العام الجاري للصناعيين باستيراد القطن المحلوج والخيوط القطنية
وشهدت الزراعة السورية تدهورا كبيرا، خلال السنوات الأخيرة، بسبب الجفاف والحرب، ما يهدّد أمنها الغذائي. وقال برنامج الأغذية العالمي في تقرير سابق: "بشكل عام، مستويات انعدام الأمن الغذائي في سورية هي الأسوأ منذ بداية الصراع.
واليوم يقدر من يعانون من انعدام الأمن الغذائي بنحو 12.4 مليون سوري، ويصل هذا إلى ما يقرب من 60% من السكان الذين لا يعرفون ماذا سيأكلون غدا".