آبار المياه.. ملاذ أخير "مرّ" لمزارعي العراق وسط الجفاف

30 أكتوبر 2022
5+95
+ الخط -

يقف الفلّاح جبار الفتلاوي في حقله مراقباً الآلات الضخمة وهي تحفر بئراً في الأرض، باتت بالنسبة له الملاذ الأخير لريّ محاصيله وإرواء ماشيته، وسط الجفاف الذي يخيّم على العراق، لكن تلك الآبار تهدد بنفاد المياه الجوفية في البلاد.

ويمرّ العراق بموسم جفاف هو الأسوأ منذ 92 عاماً، مع انحسار في الأمطار ومناسيب الأنهار، لذلك تكثّف حفر الآبار واستخراج المياه الجوفية من الأرض، ليجد المزارعون ما يروون به محاصيلهم.

يروي الفلّاح جبار، المزارع "أباً عن جد"، أنه يزرع منذ سنوات عدة الأرزّ والحنطة في حقله في محافظة النجف في جنوبي العراق. لكن الرجل الذي لفّ رأسه بكوفية والبالغ من العمر 54 عاماً يؤكد أن هذا العام مختلف، لأنه "لا توجد مياه".

لذلك، تسجّل جبار عند السلطات المحلية ودفع أموالاً لحفر بئر تسمح له بريّ "أشجارنا ونخلاتنا وإرواء الماشية"، كما يشرح هذا الأب لخمسة أولاد والذي يزرع أيضاً الفجل والبصل والشبت.

قرب منزله في قريته المطلة على نهر الفرات في قضاء المشخاب، كانت آلة حفر البئر تغرز في الأرض وتخرج مياهاً موحلة.

لجأ جبار في الماضي إلى حفر آبار بالطريقة التقليدية، والتي تحذّر السلطات منها. ويقول "أحياناً كانت تخرج المياه مرة أو مالحة" منها.

ويعدّ العراق من بين أكثر خمس دول تأثراً بالتغير المناخي بحسب الأمم المتحدة، فهو يواجه ارتفاعاً كبيراً بدرجات الحرارة ونقصاً في المياه.

وفيما العراق "معرض لسنة جافة أخرى"، أعلنت وزارة الموارد المائية العراقية عن خطة لاستخدام المياه الجوفية في 6 محافظات "لأغراض الزراعة"، من بينها النجف في أكتوبر/ تشرين الأول، لكن شدّدت على ضرورة احترام ضوابط في الاستهلاك لعدم "استنزاف" الخزين وتعرضه إلى "هبوط كبير بشكل سريع".

وخلال النصف الأول من عام 2022 حفرت حوالى 500 بئر. لكن بهدف منع استغلال المياه الجوفية بشكل متزايد تمنع السلطات حفر الآبار بطرق غير قانونية.

وسائل الري الحديثة

ويشير تقرير للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) إلى أنه على الرغم من أن العراق وضع قوانين تنظّم عملية حفر آبار جديدة لأهداف زراعية؛ فإن "البلاد لا تستخدم نظام تعرفة للحدّ من استخدام المياه الجوفية".

ويتحدث التقرير الذي نشر في سبتمبر/ أيلول عن غياب مبادرات "لتشجيع استخدام وسائل الري الحديثة".

ويلجأ غالبية المزارعين في العراق إلى وسائل تقليدية في الري، عبر غمر أراضيهم تماماً بالمياه، لكن ذلك يتسبب بهدر في المياه في وقت تحتاج فيه البلاد إلى ترشيد استهلاكها.

يشرح جميل الأسدي؛ المدير العام للهيئة العامة للمياه الجوفية فرع النجف، أن غالبية الآبار حفرت خصوصاً في "المناطق الزراعية التي كانت تروى سابقاً عن طريق جداول الأنهار".

ومن أجل تشجيع المزارعين على اللجوء إلى السلطات لحفر الآبار بدل القيام بذلك بشكل غير قانوني، خفضت وزارة الموارد المائية إلى النصف، تعرفة الحفر، كما يقول.

لكن في المقابل، اشترطت على الفلاحين "استخدام طرق الري الحديثة لغرض الحفاظ على الخزين الاستراتيجي للمياه الجوفية".

ويمكن استخدام مياه الآبار هذه في "إرواء الحيوانات وسقي البساتين والمزارع"، وفق الأسدي. لكنها لا تصلح لسقي محاصيل الأرزّ والحنطة، نظراً لارتفاع نسبة الملوحة فيها.

في عمق الصحراء في بادية النجف التي تبعد حوالى 30 كيلومتراً عن مركز المحافظة، لا أنهر تروي المكان، ولذلك اعتاد المزارع حسين بديوي على حفر الآبار لري محاصيله من الشعير والأعلاف لأغنامه منذ عقود على غرار ما يفعل جيرانه.

لكنها اليوم لم تعد كافية ولذلك دفع الرجل أموالاً للسلطات لحفر بئر أكثر عمقاً.

ويقول الرجل الذي تبلغ مساحة أرضه 200 دونم "سابقاً، كنا نحفر الآبار بعمق 50 متراً وكنا نحصل على كميات كبيرة من المياه، لكن اليوم نحفر حتى مائة متر، و110 أمتار في الأرض، لكي نحصل على المياه".

ويضيف: "كانت البئر الواحدة تسقي الكثير، الآن كثرت الآبار، وجفت المياه.. أصبحت قليلة".

كيف نعيش؟

وحذّرت وزارة الموارد المائية في تموز/ يوليو من أن "الاستخدام الجائر للمياه الجوفية أدى إلى مشكلات كثيرة"، مشدّدةً على ضرورة "الحفاظ على هذه الثروة".

وعلى سبيل المثال، جفّت بحيرة ساوة في جنوبي العراق هذا العام، خصوصاً بسبب حفر حوالى ألف بئر بشكل عشوائي، ما تسبب بتجفيف المياه الجوفية التي كانت تغذيها.

كذلك، حذرت الوزارة من تحدٍّ آخر، إذ "في حالة سحب كميات كبيرة من المياه الجوفية ستزداد نسبة الملوحة".

وفي العراق البالغ عدد سكانه 42 مليون نسمة حيث تمثّل الزراعة نسبة 20% من الوظائف وثاني مساهم في الناتج المحلي الإجمالي بعد النفط، يتسبب التغير المناخي واستجابة السلطات غير الكافية له، باضطرابات اجتماعية ونزوح.

ويتظاهر السكان أحياناً في جنوب البلاد لمطالبة السلطات باتخاذ إجراءات أكثر صرامة لإرغام تركيا على زيادة تدفق المياه من سدودها.

يروي صلاح الفرعون البالغ من العمر 75 عاماً أنه يعمل في الزراعة "منذ نشأته". في أرضه البالغة مساحتها 100 دونم، يزرع الحنطة في الشتاء والأرز في الصيف، لكن إمكانية زراعتها باتت محدودة الآن بسبب "المياه الشحيحة وغير الكافية".

ويقول: "إذا أردنا حفر آبار، نسبة الملوحة فيها عالية جداً ولا تصلح للزراعة"، مضيفاً أنه "لا يوجد أرزّ ولا توجد حنطة، كيف يعيش الإنسان؟"، متابعاً بحسرة: "قد نهاجر. لكن أين نهاجر؟ البلد منهوب ومسلوب".

(فرانس برس)

ذات صلة

الصورة
فلسطيني يتبنى مبادرة في بيت لاهيا لإحياء الأراضي الزراعية التي دمرها الاحتلال (الأناضول)

اقتصاد

يتسبب تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في خسارة الفلسطينيين مختلف المواسم الزراعية، والتي يعتمد عليها المزارعون في توفير السلة الغذائية للمواطنين.
الصورة
تضرر مزارعو التبغ في جنوب لبنان، قرية كفرصير (حسين بيضون)

اقتصاد

تسبب القصف الإسرائيلي على مناطق جنوب لبنان في أضرار واسعة، إذ بلغت مساحة الأراضي المتضرّرة في القرى الحدودية نحو 1700 هكتار.
الصورة
زراعة العراق (أحمد الربيعي/فرانس برس)

اقتصاد

أقر العراق أول خطة زراعية تعتمد على المياه الجوفية بشكل رئيسي، وسط التراجع الحاد لمياه نهري دجلة والفرات اللذين يتعرضان لأكبر أزمة جفاف في تاريخهما.
الصورة
الزراعة في مصر/محمد الشاهد/ فرانس برس

اقتصاد

تقدم نحو ألفي مستثمر مصري باستغاثة جماعية إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة،للمطالبة بإلغاء قرار الاستيلاء على الأراضي المملوكة لهم في منطقة غرد القطانية في محافظة الجيزة بعد استصلاحها.
المساهمون