صدرت خلال الأسبوعين، الحالي والماضي، مقالات وملاحظات في الصحف العالمية والعربية، تعالج الآثار الناجمة عن الترتيب الدفاعي والأمني الذي أعلن الوصول إليه بين الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة وأستراليا، بهدف تحقيق الأمن والاستقرار في المحيطين الباسيفيكي والهندي.
ومن أفضل هذه المقالات ذلك الذي خطّه الباحث والسفير الهندي، أنيل تريجونايات، ونشره في موقع "The Quint" بتاريخ 18 سبتمبر/ 2021 وذلك تحت عنوان "حول أفغانستان، والصين وباكستان: هل أصبحت الـ "كواد" (Quad) محاولة ضائعة".
و"Quad" (كواد) هي المجموعة الرباعية التي تضم اليابان والهند وأستراليا والولايات المتحدة.
وقد أنشئت هذه المجموعة أيام الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، واجتمعت اجتماعاً واحداً على الإنترنت (اجتماعاً افتراضياً).
ومنذ ذلك الحين، لم تتابع أو تخلق أي آليات جديدة، علماً أنها أنشئت لتطمئن دول الباسيفيكي (اليابان وأستراليا) تحديداً على تعاظم قوة الصين، وتحرّكات أسطولها بالقرب من جزر يابانية تدّعي اليابان أنها لها، علماً أن الصين أقامت عليها قاعدة عسكرية. واسمها جزر سينكاكو. أما الهند فهي في حالة صراع دائم مع الصين، وأهميتها أنها تقع على المحيط الهندي، وترتبط بحدود برّية مع الصين.
ويعود الآن، الرئيس الأميركي، جو بايدن، ليحيي هذا التجمّع الرباعي عن طريق عقد اجتماع وجاهي بين الزعماء الأربعة، وهم، إلى جانب بايدن، كل من رئيسي وزراء اليابان، يوشيدا سوغا، وأستراليا، سكوت موريسون، وأخيراً وليس آخراً رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي.
الأزمة الفرنسية الأسترالية
ومن هنا يتساءل المراقبون عن النتائج التي يمكن أن تسفر عنها هذه الاجتماعات. في ظل تناقضات في المصالح والارتباطات مع دولٍ قد لا تكون على وفاق مع دول أخرى في "الكواد". ويشكك الباحث والسفير الهندي تريجونايات في أن يسفر هذا الاجتماع عن نتائج واضحة، أو يتفق على آليات نهائية فيه.
ولم يكتف الرئيس الأميركي جو بايدن بذلك، بل أنشأ اتفاق "أوكاس" الأمني مع المملكة المتحدة وأستراليا، وكان من أولى نتائجه إلغاء أستراليا صفقة بيع غوّاصات تقليدية كانت قد تعاقدت عليها مع فرنسا بقيمة لا تقل عن 40 مليار يورو، واستبدلتها بغواصات نووية أميركية بريطانية.
وقد احتجّت فرنسا على هذا الأمر احتجاجاً صارخاً، وأعادت سفيريها في واشنطن وكانبيرا إلى باريس للتشاور. وصرّح وزير خارجيتها، جان إيف لودريان، منتقداً الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بكلام يعتبر جارحاً في العرف الدبلوماسي.
وفي المقابل، يرد الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، متعجباً من ردّة فعل فرنسا التي جاءت أقوى من أي توقعات. وصرح وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بأن المسألة قابلة للحل، وأن العلاقات بين واشنطن وباريس سوف تبقى قوية، ونفى أن يكون لاتفاق "أوكاس" مَساس مُباشر بوحدة الصف في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
تحرك روسي مضاد
أما روسيا، فقد دعا رئيسها فلاديمير بوتين إلى اجتماع مع زعماء الصين وأفغانستان وإيران من أجل البحث في ترتيبات أمنية، وذلك قبل الانتخابات البرلمانية الروسية التي جرت يوم 19 سبتمبر بيومين، ليظهر أن روسيا دولة عظمى وأنها مهمة.
ولا شك في أن هذه الاجتماعات عزّزت انتصار حزبه بثلثي الأصوات في الانتخابات الأخيرة، وثبتت موقعه رئيسا لروسيا ست سنوات مقبلة، علماً أن الانتخابات التي جرت تشريعية وليست رئاسية.
وفي اجتماع قمة "منظمة شانغهاي للتعاون"، والتي تضم كلاً من كازاخستان وقرغيزستان، وروسيا، وطاجيكستان، وأوزباكستان وباكستان والهند. صرّح الرئيس الصيني، شي جينبينغ، قائلا: "يجب ألا نسمح للقوى الخارجية بأن تتدخل في شؤوننا أو تؤثر على وحدة كلمتنا".
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية: "لا نقبل أن يعرض علينا الآخرون (يقصد الأميركان) قاعدة الصفر في تعاملنا".
وهنالك منظمة "CRIPTAQ"، والتي تضم سبع دول (الصين، وروسيا، وإيران، وباكستان، وتركيا، وأفغانستان، وقطر).
وفي المقابل، نجد أن باكستان عضو في ترتيب رباعي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ويضم إلى جانبهما كلا من أفغانستان وأوزبكستان.
أمام هذه الأحجية المعقدة من التحالفات، فإنها في رأيي أشبه بأرخبيلات في محيط عميق، سوف تطفو وتغرق تحت الماء، ثم تعود لتتشكل، في نهاية المطاف، وفق عقد جديد ربما يكون مؤقتاً، إلى أن تستقر الأمور عند موقف موحد.
قضايا الشرق الأوسط المعقدة
إذا كان الشرق الأوسط معقداً، ومشكلاته لا تحل، فلننتظر لنرى ما الذي سيحدث في مسرح المحيطين الهادئ (الباسيفيكي) والهندي. ولكن ما أكاد أجزم به أن ثلاثة تكتلات دولية اقتصادية/ عسكرية ستبقى، وهي الصين، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي. وسوف تبقى دول كبيرة ومهمة مثل روسيا، والهند، وباكستان، وتركيا، تبحث وتجتهد في مساومة هذه التكتلات الثلاثة.
وأكاد أجزم بأن تركيا قد اختارت أن ترافق الولايات المتحدة من دون التفريط بعلاقاتها مع روسيا، وكذلك ستفعل معظم دول وسط آسيا. أما روسيا، فلربما تجد أن من الأنسب لها أن تتحالف مع أوروبا، من دون الإجحاف بعلاقاتها مع الصين.
أما باكستان فهي الدولة التي عليها أن تلعب دوراً ذكياً ومعقداً. والهند ستبقى تنظر إلى نفسها دولة كبيرة، ويجب أن تلعب مع الكبار.
أما نحن العرب، فعلينا أن نتبنّى استراتيجيةً نسعى من خلالها إلى الحفاظ على علاقات مع الجميع، وهذه تتطلب المشي على حبال مشدودة، والقدرة على الحفاظ على توازن لاعب الترابيز في السيرك.