لا تزال أزمة تعليق الحركة في "قناة السويس" قائمة، نتيجة جنوح ناقلة سدّت الممر المائي الاستراتيجي لصناعة الشحن البحري العالمية، وهو ما اضطر شركات إلى تحويل مسار ناقلاتها، وتسبّب لها ولعملائها باضطرابات ماثلة وساخنة، فيما أعلنت هيئة قناة السويس اكتمال 87% من عمليات التجريف عند مقدمة السفينة الجانحة.
وفي آخر التطورات، قالت شركة "برنارد شولت شيب مانجمنت" (بي.إس.إم)، المشغلة لسفينة الحاويات العملاقة التي جنحت، إن محاولة لإعادة تعويم السفينة جرت في وقت سابق من اليوم الجمعة فشلت. وقالت الشركة إن فريق الإنقاذ الهولندي أكد أن قاطرتين إضافيتين ستصلان في 28 مارس/ آذار للمساعدة في جهود إعادة تعويم السفينة.
وقالت الشركة إن التحقيقات الأولية تستبعد أي خلل فني أو في المحرك كسبب لجنوح السفينة، مشيرة إلى أن مرشدين من قناة السويس كانا على متن السفينة وقت الحادث.
بدورها، أعلنت شركة "كبلر" لتحليل البيانات، اليوم الجمعة، أن 7 ناقلات غاز طبيعي مسال حولت مسارها بعيدا عن قناة السويس بعد تعليق حركة الملاحة فيها على أثر جنوح سفينة حاويات عملاقة منذ يوم الثلاثاء، فيما نفت الشركة اليابانية مالكة السفينة الجانحة تقارير كانت قد أفادت بأنها تسعى إلى تعويم السفينة مساء غد السبت، مشيرة إلى أن الجهود لا تزال جارية، وأعلنت هيئة القناة أنها تتطلع للتعاون مع الولايات المتحدة من أجل تعويم السفينة.
المحللة في "كبلر" ريبيكا شيا، نقلت عنها "رويترز" قولها إن 3 من الناقلات يجري تحويلها نحو المسار الأطول حول رأس الرجاء الصالح، مضيفة أن غالبية الناقلات التي حولت مسارها تتجه الآن إلى أماكن أخرى بعدما كانت وجهتها في الأساس هي قناة السويس.
ولفتت إلى أن 4 ناقلات تحمل شحنات من الولايات المتحدة ودولة قطر فيما لا تحمل البقية أي شحنات، مشيرة إلى أن 6 سفن للغاز الطبيعي المسال تنتظر الدخول على جانبي القناة مع وجود سفينة أخرى تسمى جولار تندرا عالقة في القناة منذ يوم الثلاثاء.
وبحسب شيا، ستتأثر خطط عبور 16 سفينة غاز طبيعي مسال لقناة السويس إذا استمر الازدحام حتى نهاية الأسبوع الجاري، محذرة من أنه "سيكون هناك تأخير كبير في جدول التحميل في راس لفان في بداية إبريل/ نيسان بسبب الازدحام".
ولا تزال سفينة الحاويات العملاقة عالقة بشكل جانبي حتى اليوم الجمعة، في قناة السويس، حيث تسابق السلطات الزمن لتعويم السفينة وإعادة فتح حركة العبور في الممر المائي المهم للشحن العالمي بين الشرق والغرب.
وقد جنحت السفينة "إيفر غيفن"، التي ترفع علم بنما وتنقل البضائع بين آسيا وأوروبا، يوم الثلاثاء، في القناة التي تفصل القارة الأفريقية عن شبه جزيرة سيناء. وأعاقت السفينة، المملوكة لشركة "شوي كيسن كيه كيه" اليابانية، حركة المرور في القناة، تاركة عشرات السفن الصغيرة عالقة في البحر المتوسط والبحر الأحمر.
وكان قوس السفينة يلامس الضفة الشرقية للقناة، بينما ظهرت مؤخرتها مستقرة على الضفة الغربية، في حدث استثنائي قال الخبراء إنهم لم يسمعوا به من قبل في تاريخ القناة الممتد على مدى 150 عامًا، بحسب "أسوشييتد برس".
وجنحت السفينة على بعد حوالي 6 كيلومترات (3.7 أميال) من شمال المدخل الجنوبي للقناة، بالقرب من مدينة السويس، وهي منطقة من القناة تمثل ممرًا واحدًا.
وقامت هيئة قناة السويس، التي تدير الممر المائي، بنشر العديد من زوارق القطر في محاولة لإعادة تعويم السفينة الضخمة، بما في ذلك كراكة شفط متخصصة قادرة على نقل 2000 متر مكعب من المواد كل ساعة.
وحتى صباح اليوم، الجمعة، ظلت السفينة ثابتة في الوضع نفسه، مع استمرار عمل القاطرات والكراكات على تحريرها، وفقًا لشركة "ليث إيجنسيز"، مزودة الخدمات في القناة.
موعد إعادة فتح الممر غير محدد
ووصف مسؤول في سلطة القناة المصرية تعويم السفينة بأنه عملية "حساسة جدا ومعقدة" تحتاج إلى "التعامل معها بحذر شديد". ويريد مسؤولو القناة تجنب "أي تعقيدات" من شأنها أن تمدد إغلاق القناة. وتحدث المسؤول شرط عدم الكشف عن هويته لأنه غير مصرح له بالتحدث إلى الصحافيين.
وبدأ فريق من بوسكاليس، وهي شركة هولندية متخصصة في الإنقاذ، العمل مع هيئة قناة السويس يوم الخميس. وركزت جهود الإنقاذ على التجريف لإزالة الرمال والطين حول قوس السفينة العالق في الضفة الشرقية للقناة.
هيئة قناة السويس قالت، في وقت متأخر من يوم الخميس، إنها ستحتاج إلى إزالة ما بين 15000 و20000 متر مكعب (530 ألفا إلى 706 آلاف قدم مكعبة)، من الرمال للوصول إلى عمق 12 إلى 16 مترًا (39 إلى 52 قدمًا). وأضافت أن هذا العمق من المرجح أن يسمح للسفينة بالطفو بحرية مرة أخرى.
ولم يتضح على الفور ما الذي تسبب في جنوح السفينة "إيفر غيفن" يوم الثلاثاء. وقالت "جي أيه سي"، وهي شركة شحن وخدمات لوجستية عالمية، إن السفينة تعرضت لانقطاع في الكهرباء دون الخوض في التفاصيل.
وقالت شركة "إيفرغرين مارين"، وهي شركة شحن كبرى مقرها تايوان وتشغّل السفينة، في بيان، إن الرياح القوية تغلبت على السفينة "إيفر غيفن" مع دخولها القناة من البحر الأحمر، لكن أياً من حاوياتها لم تغرق.
وألقت إدارة قناة السويس أيضا اللوم على سوء الأحوال الجوية في الحادث، حيث تسبب انسداد القناة في حدوث صداع للتجارة العالمية. ويتدفق حوالي 10% من التجارة العالمية عبر قناة السويس، وهي ممر مهم بشكل خاص لنقل النفط. وقد يؤثر الإغلاق أيضًا على شحنات النفط والغاز إلى أوروبا من الشرق الأوسط.
شركة "ليث إيغنسيز" قالت إن نحو 150 سفينة تنتظر تعويم السفينة "إيفر غيفن"، بما فيها السفن القريبة من بورسعيد على البحر الأبيض المتوسط، وميناء السويس على البحر الأحمر، وتلك العالقة بالفعل في نظام القناة على البحيرة المرة الكبرى في مصر.
وباستخدام بيانات من متتبعات منظومة التعريف الآلي للسفن في البحر، شاركت شركة البيانات "ريفينيتيف" تحليلًا مع "أسوشييتد برس" أظهر أن أكثر من 300 سفينة لا تزال في طريقها إلى الممر المائي خلال الأسبوعين المقبلين.
ولا يزال بإمكان بعض السفن تغيير مسارها، لكن حشد السفن التي تدرج قناة السويس كوجهة لها يظهر أن تراكمًا أكبر يلوح في الأفق بالنسبة لشركات الشحن التي تقع بالفعل تحت ضغط وسط جائحة فيروس كورونا.
ارتفاع تكاليف الشحن البحري
وأدى توقف الملاحة عبر القناة الواصلة بين أوروبا وآسيا إلى تعميق مشكلات خطوط النقل البحري التي تواجه بالفعل اضطرابا وتأخيرات في توريد سلع التجزئة إلى المستهلكين، فيما يتوقع محللون تأثيرا أكبر على الناقلات الأصغر والمنتجات البترولية، لا سيما صادرات النفتا وزيت الوقود من أوروبا إلى آسيا، إذا ظلت القناة متوقفة لأسابيع.
وتظهر بيانات ملاحية من رفينيتيف أن أكثر من 30 ناقلة نفط تنتظر في شمال وجنوب القناة للمرور عبرها منذ الثلاثاء.
وقالت "بريمار إيه.سي.إم شيببروكينغ" للوساطة في الشحن البحري، إن "أسعار (الشحن) للناقلات من فئتي أفراماكس وسويسماكس في البحر المتوسط تحركت أولا أيضا، إذ بدأت السوق تضع في الاعتبار توافر عدد أقل من السفن في المنطقة".
ولفتت إلى أن 4 ناقلات على الأقل من فئة (لونغ-رينج 2) ربما كانت تتجه صوب السويس من حوض الأطلسي تقيم على الأرجح الآن مسارا حول رأس الرجاء الصالح. وبإمكان الناقلة من تلك الفئة حمل نحو 75 ألف طن من النفط، مضيفة أن ارتفاع الطلب على خام حوض الأطلسي داخل أوروبا سيزيد أيضا من استخدام تلك الناقلات الأصغر حجما ويدعم أسعار الشحن.
وزادت كلفة شحن المنتجات الأقل تلويثا للبيئة، مثل البنزين والديزل، من ميناء توابس الروسي على البحر الأسود إلى جنوب فرنسا من 1.49 دولار للبرميل في 22 مارس/ آذار إلى 2.58 دولار للبرميل في 25 مارس/ آذار، بزيادة 73%، بحسب "رفينيتيف".
سمسار شحن ناقلات لدى "فيرنليس سنغافورة"، يدعى أنوب جاياراغ، قال إن مؤشرا قياسيا للشحن البحري للسفن من فئة (لونغ-رينج 2) من الشرق الأوسط إلى اليابان، المعروف باسم "تي.سي 1"، ارتفع إلى 137.5 نقطة (ورلد سكيل)، في وقت مبكر من اليوم الجمعة، مقارنة بـ100 نقطة (ورلد سكيل) الأسبوع الماضي.
وعلى نحو مماثل، سجل مؤشر لتكاليف الشحن للسفن من فئة (لونغ-رينج 1) على المسار نفسه، المعروف باسم "تي.سي 5"، 130 نقطة (ورلد سكيل)، ارتفاعا من 125 في نهاية الأسبوع الماضي، علما أن "ورلد سكيل" هي أداة للقطاع تُستخدم لحساب تكاليف الشحن.
عرض تركي للمساعدة
من أنقرة، قال وزير النقل التركي عادل قرة إسماعيل أوغلو، اليوم الجمعة، إن من الممكن أن ترسل تركيا سفينتها نانه خاتون للمساعدة في حل توقف حركة الملاحة بقناة السويس، ضمن محاولات تبذلها أنقرة في الآونة الأخيرة لإصلاح علاقاتها المتوترة مع مصر بعد سنوات من العداء.
وقال قرة إسماعيل أوغلو لقناة "إن.تي.في": "لقد نقلنا عرضنا لمساعدة إخواننا المصريين، وإذا وصلنا رد إيجابي منهم، فإن سفينتنا نانه خاتون واحدة من بين السفن القليلة في العالم التي يمكنها القيام بأعمال من هذا النوع"، مضيفاً أن أنقرة لم تتلق ردا بعد لكنها على أهبة الاستعداد للتحرك.